اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمَاذَا عَلَيۡهِمۡ لَوۡ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِهِمۡ عَلِيمًا} (39)

قوله : " وماذا عليهم " .

قد تقدم الكلام على نَظِيرتِها ، و " ماذا عليهم " استفهام بمعنى الإنكار .

قال القرطبي : " ما " : في موضع رفع بالابتداء ، و " ذا " خبره ، و " ذا " خبره ، و " ذا " بمعنى الَّذِي ، وهذا يحتمل أن يكُون الكلام قد تَمَّ هنا ، ويجوز أن يكونُ " وماذا " اسماً واحداً ، ويكون المَعنى أي : وأيُّ شيء عليهم في الإيمانِ باللَّهِ ، أو ماذا عَلَيْهم من الوَبَال والعَذَابِ يَوْم القِيَامَة .

ثم استأنف بقوله : { لَوْ آمَنُواْ } ويكُون جَوَابُهَا مَحْذُوفاً ، أي : حصلت لهم السَّعَادة ، ويحتمل أن يَكُون [ تمام ] الكَلاَم ب " لو " ومَا بَعْدَها ، وذلك على جَعْل " لو " مصدريَّة عند من يُثْبِتُ لها ذلك ، أي : وماذا عليهم في الإيمان ، ولا جَواب لها حينئذٍ ، وأجاز ابن عطيَّة{[7909]} أن يَكُون { وَمَاذَا عَلَيْهِمْ } جواباُ ل " لَوْ " ، فإن أراد من جهة المَعْنَى فمُسلَّمٌ{[7910]} وإن أرادَ من جهة الصِّنَاعة فَفَاسِدٌ ؛ لأن الجواب الصِّنَاعي لا يتَقدّم عند البَصْرِيِّين ، وأيضاً فالاستفهام لا يُجَاب ب " لو " ، وأجاز أبُو البَقَاء{[7911]} في " لو " أن تكُون بمعنى " إن " الشَّرطيّة ؛ كما جاء في قوله : { وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ } [ البقرة : 221 ] أي : وأيُّ شيءٍ عليهم إن آمَنُوا .

قال الجبائي{[7912]} : ولو كانوا غَيْرَ قَادِرين ، لم يجز أن يقُول اللَّه ذلِك ؛ كما لا يُقالُ لمن هُو في النَّار مُعَذَّب : ماذا عليهم لَوْ خَرَجُوا مِنْها ، وصَارُوا إلى الجَنَّة ، وكما لا يُقال للجَائِع الذي لا يَقْدِر على الطَّعام : ماذا عَلَيْه لو أكَل .

[ وقال الكعبي ]{[7913]} لا يجوز أن يَمْنَعه القُدْرة ، ثم يَقُول : ماذا عَلَيْه لو آمَنَ ، كما [ لا ] يقال لمن بِه مَرَضٌ : ماذا عليه لَوْ كَانَ صَحِيحاً ، ولا يُقَال للمرأة : ماذا عليها لو كَانَت رَجُلاً ، وللقَبيح : ماذا عَلَيْه لو كان جَمِيلاً كما لا يَحْسُن هذا القَوْل من العَاقِل ، كذلك لا يَحْسُن من اللَّه - تعالى - .

وقال القَاضِي عبد الجَبَّار{[7914]} : لا يُجوز أن يأمر العاقل وكيله بالتَّصَرُّف في الصَّفَقَة{[7915]} ، ويَحْبِسهُ بحيث لا يتمكَّنُ من مُفارقة الحَبْسِ ، ثم يقولُ لَهُ : مَاذَا عليك لو تصَرَّفْت ، وإذا كان من يَذكر مثل هذا الكلام [ سفيهاً ]{[7916]} دل ذلك على أنَّه على اللَّه - تعالى - غير جَائِزٍ واعلم أن مِمَّا تمسَّك به المُعْتَزِلة من المَدْح والذَّمِّ والثَّواب والعِقَاب ، معارضتهم بمسْألة العِلْم والدَّاعِي .

قال ابن الخَطِيب{[7917]} : قد يَحْسُن منه ما من غيره ؛ لأن المُلْك مُلْكُه .

ثم قال : { وَكَانَ اللَّهُ بِهِم عَلِيماً } أي : عليم ببواطنِ الأمُور كما هو عَليمٌ بِظَاهِرِها ، وهذا كالرَّدْع للمكلَّف عن القَبَائح من أفْعال القُلُوبِ ؛ مثل النِّفاق والرِّيَاء والسُّمْعَة .


[7909]:ينظر: المحرر الوجيز 2/53.
[7910]:في أ: المسلم.
[7911]:ينظر: الإملاء 1/180.
[7912]:ينظر: تفسير الرازي 10/81.
[7913]:ينظر: السابق.
[7914]:ينظر: السابق.
[7915]:في أ: النفقة وفي الرازي الضيعة.
[7916]:سقط في أ.
[7917]:ينظر: تفسير الرازي 10/82.