وقوله : { وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً } قالوا : هو شرف النبوة والزلفة عند الله - تعالى - أو المراد برفعه إلى المكان العلى : إسكانه فى الجنة ، إذ لا شرف أعلى من ذلك . .
وروى أن النابغة الجعدى لما أنشد قوله :
بلغتا السماء مجدنا وسناؤنا . . . وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا
قال له الرسول - صلى الله عليه وسلم - : " إلى أين المظهر يا أبا ليلى ؟ قال : إلى الجنة . قال : أجل إن شاء الله - تعالى - " .
وإلى هنا تكون السورة الكريمة قد حدثتنا عن طرف من قصص زكريا ويحيى وعيى وإبراهيم وموسى وإسماعيل وإدريس - عليهم الصلاة والسلام - وقد وصفتهم بما هم أهله من صفات كريمة ، ليتأسى الناس بهم فى ذلك .
والقرآن يصفه بأنه كان صديقا نبيا ويسجل له أن الله رفعه مكانا عليا . فأعلى قدره ورفع ذكره . .
وهناك رأي نذكره لمجرد الاستئناس به ولا نقرره أو ننفيه ، يقول به بعض الباحثين في الآثار المصرية ، وهو أن إدريس تعريب لكلمة " أوزريس " المصرية القديمة . كما أن يحيى تعريب لكلمة يوحنا . وكلمة اليسع تعريب لكلمة إليشع . . وأنه هو الذي صيغت حوله أساطير كثيرة . فهم يعتقدون أنه صعد إلى السماء وصار له فيها عرش عظيم . وكل من وزنت أعماله بعد الموت فوجدت حسناته ترجح سيئاته فإنه يلحق بأوزريس الذي جعلوه إلها لهم . وقد علمهم العلوم والمعارف قبل صعوده إلى السماء .
وعلى أية حال فنحن نكتفي بما جاء عنه في القرآن الكريم ؛ ونرجح أنه سابق على أنبياء بني إسرائيل .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنّهُ كَانَ صِدّيقاً نّبِيّاً * وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً } .
يقول تعالى ذكره : واذكر يا محمد في كتابنا هذا إدريس إنّهُ كانَ صِدّيقا لا يقول الكذب ، نَبِيّانوحي إليه من أمرنا ما نشاء وَرَفَعْناهُ مَكانا عَلِيّا ذكر أن الله رفعه وهو حيّ إلى السماء الرابعة ، فذلك معنى قوله : وَرَفَعْناهُ مَكانا عَلِيّا يعني به إلى مكان ذي علوّ وارتفاع . وقال بعضهم : رُفع إلى السماء السادسة . وقال آخرون : الرابعة . ذكر الرواية بذلك :
حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني جرير بن حازم ، عن سليمان الأعمش ، عن شمر بن عطية ، عن هلال بن يساف ، قال : سأل ابن عباس كعبا وأنا حاضر ، فقال له : ما قول الله تعالى لإدريس وَرَفَعْناهُ مَكانا عَلِيّا قال كعب : أما إدريس ، فإن الله أوحى إليه : إني رافع لك كلّ يوم مثل عمل جميع بني آدم ، فأحبّ أن تزداد عملاً ، فأتاه خليل له من الملائكة ، فقال : إن الله أوحى إليّ كذا وكذا ، فكلمْ لي ملك الموت ، فليؤخرني حتى أزداد عملاً ، فحمله بين جناحيه ، ثم صعد به إلى السماء فلما كان في السماء الرابعة ، تلقاهم ملك الموت منحدرا ، فكلم ملك الموت في الذي كلمه فيه إدريس ، فقال : وأين إدريس ؟ فقال : هوذا على ظهري ، قال ملك الموت : فالعجب بعثت أقبض روح إدريس في السماء الرابعة ، فجعلت أقول : كيف أقبض روحه في السماء الرابعة وهو في الأرض ؟ فقبض روحه هناك ، فذلك قول الله تبارك وتعالى : وَرَفَعْناهُ مَكانا عَلِيّا .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَرَفَعْناهُ مَكانا عَلِيّا قال : إدريس رُفع فلم يمت ، كما رُفع عيسى .
حدثنا القاسم ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله ، إلا أنه قال : ولم يمت .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس وَرَفَعْناهُ مَكانا عَلِيّا قال : رفع إلى السماء السادسة ، فمات فيها .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَرَفَعْناهُ مكانا عليا إدريس أدركه الموت في السماء السادسة .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ورفعناه مكانا عليا قال : السماء الرابعة .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري ورفعناه مكانا عليا قال : في السماء الرابعة .
حدثنا عليّ بن سهيل ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية الرياحي ، عن أبي هريرة أو غيره «شكّ أبو جعفر الرازي » قال : لما أسري بالنبيّ صلى الله عليه وسلم صعد به جبريل إلى السماء الرابعة ، فاستفتح فقيل : من هذا ؟ قال : جبرائيل ، قالوا : ومن معه ؟ قال : محمد ، قالوا : أوقد أرسل إليه ؟ قال : نعم ، قالوا : حياه الله من أخ ومن خليفة ، فنعم الأخ ونعم الخليفة ، ونعم المجيء جاء ، قال : فدخل فإذا هو برجل ، قال : هذا إدريس رفعه الله مكانا عليا .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله ورفعناه مكانا عليا قال : حدثنا أنس بن مالك أن نبيّ الله حدث أنه لما عرج به إلى السماء قال : أتيت على إدريس في السماء الرابعة .
واختلف الناس في قوله { ورفعناه مكاناً علياً } .
فقال جماعة من العلماء هو رفع النبوءة والتشريف والمنزلة وهو في السماء كما سائر الأنبياء ، وقالت فرقة : بل رفع الى السماء ، قال ابن عباس : كان ذلك بأمر الله كما رفع عيسى وهنالك مات ، وقال مجاهد إلا أنه قال : ولم يمت ، وكذلك قال وهب وقال كعب الأحبار لابن عباس كان له خليل من الملائكة فحمله على على جناحه وصعد به حتى بلغ السماء الرابعة فلقي هنالك ملك الموت فقال له إنه قيل لي اهبط إلى السماء الرابعة فاقبض فيها روح { إدريس } وإني لأعجب كيف يكون هذا ، فقال له الملك الصاعد هذا { إدريس } معي فقبض روحه وروي أن هذا كله كان في السماء السادسة قاله ابن عباس ، وكذلك هي رتبته في حديث الإسراء في بعض الروايات وحديث أنس بن مالك وأبي هريرة في الإسراء يقتضي أنه في السماء الرابعة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.