قوله تعالى : " ورفعناه مكانا عليا " قال أنس بن مالك وأبو سعيد الخدري وغيرهما : يعني السماء الرابعة . وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال كعب الأحبار . وقال ابن عباس والضحاك : يعني السماء السادسة ، ذكره المهدوي .
قلت : ووقع في البخاري{[10877]} عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر قال سمعت أنس بن مالك يقول : ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من الكعبة ، الحديث وفيه : كل سماء فيها أنبياء - قد سماهم - منهم إدريس في الثانية . وهو وهم ، والصحيح أنه في السماء الرابعة ، كذلك رواه ثابت البناني عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ذكره مسلم في الصحيح . وروى مالك بن صعصعة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لما عرج بي إلى السماء أتيت على إدريس في السماء الرابعة ) . خرجه مسلم أيضا . وكان سبب رفعه على ما قال ابن عباس وكعب وغيرهما : أنه سار ذات يوم في حاجة فأصابه وهج الشمس ، فقال :( يا رب أنا مشيت يوما فكيف بمن يحملها خمسمائة عام في يوم واحد ! اللهم خفف عنه من ثقلها . يعني الملك الموكل بفلك الشمس ) ، يقول إدريس : اللهم خفف عنه من ثقلها واحمل عنه من حرها . فلما أصبح الملك وجد من خفة الشمس والظل مالا يعرف فقال : يا رب خلقتني لحمل الشمس فما الذي فيه ؟ فقال الله تعالى : " أما إن عبدي إدريس سألني أن أخفف عنك حملها وحرها فأجبته " فقال : يا رب اجمع بيني وبينه ، واجعل بيني وبينه خلة . فأذن الله له حتى أتى إدريس ، وكان إدريس عليه السلام يسأله . فقال أخبرت أنك أكرم الملائكة وأمكنهم عند ملك الموت ، فاشفع لي إليه ليؤخر أجلي ، فأزداد شكرا وعبادة . فقال الملك : لا يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها فقال للملك : قد علمت ذلك ولكنه أطيب لنفسي . قال نعم . ثم حمله{[10878]} على جناحه فرفعه إلى السماء ووضعه عند مطلع الشمس ، ثم قال لملك الموت : لي صديق من بني آدم تشفع بي إليك لتؤخر أجله . فقال : ليس ذلك إلي ولكن إن أحببت علمه أعلمته متى يموت . قال " : " نعم " ثم نظر في ديوانه ، فقال : إنك تسألني عن إنسان ما أراه يموت أبدا . قال " وكيف " ؟ قال : لا أجده يموت إلا عند مطلع الشمس . قال : فإني أتيتك وتركته هناك ؛ قال : انطلق فما أراك تجده إلا وقد مات فوالله ما بقي من أجل إدريس شيء . فرجع الملك فوجده ميتا . وقال السدي : إنه نام ذات يوم ، واشتد عليه حر الشمس ، فقام وهو منها في كرب ، فقال : اللهم خفف عن ملك الشمس حرها ، وأعنه على ثقلها ، فإنه يمارس نارا حامية . فأصبح ملك الشمس وقد نصب له كرسي من نور عنده سبعون ألف ملك عن يمينه ، ومثلها عن يساره يخدمونه ، ويتولون أمره وعمله من تحت حكمه ، فقال ملك الشمس : يا رب من أين لي هذا ؟ . قال " دعا لك رجل من بني آدم يقال له إدريس " ثم ذكر نحو حديث كعب قال فقال له ملك الشمس : أتريد حاجة ؟ قال : نعم وددت أني لو رأيت الجنة . قال : فرفعه على جناحه ، ثم طار به ، فبينما هو في السماء الرابعة التقى بملك الموت ينظر في السماء ، ينظر يمينا وشمالا ، فسلم عليه ملك الشمس ، وقال : يا إدريس هذا ملك الموت فسلم عليه فقال ملك الموت : سبحان الله ! ولأي معنى رفعته هنا ؟ قال : رفعته لأريه الجنة . قال : فإن الله تعالى أمرني أن أقبض روح إدريس في السماء الرابعة . قلت : يا رب وأين إدريس من السماء الرابعة ، فنزلت فإذا هو معك ، فقبض روحه فرفعها إلى الجنة ، ودفنت الملائكة جثته في السماء الرابعة ، فذلك قوله تعالى : " ورفعناه مكانا عليا " . قال وهب بن منبه : كان يرفع لإدريس كل يوم من العبادة مثل ما يرفع لأهل الأرض في زمانه ، فعجب منه الملائكة واشتاق إليه ملك الموت ، فاستأذن ربه في زيارته فأذن له ، فأتاه في صورة آدمي ، وكان إدريس عليه السلام يصوم النهار ، فلما كان وقت إفطاره دعاه إلى طعامه فأبى أن يأكل . ففعل به ذلك ثلاث ليال فأنكره إدريس ، وقال له : من أنت ! قال أنا ملك الموت ، استأذنت ربي أن أصحبك فأذن لي ، فقال : إن لي إليك حاجة . قال : وما هي ؟ قال : أن تقبض روحي . فأوحى{[10879]} الله تعالى إليه أن اقبض روحه ، فقبضه ورده إليه بعد ساعة ، وقال له ملك الموت : ما الفائدة في قبض روحك ؟ قال : لأذوق كرب الموت فأكون له أشد استعدادا . ثم قال له إدريس بعد ساعة{[10880]} : إن لي إليك حاجة أخرى . قال : وما هي ؟ قال أن ترفعني إلى السماء فأنظر إلى الجنة والنار ، فأذن الله تعالى له في رفعه إلى السموات ، فرأى النار فصعق ، فلما أفاق قال أرني الجنة ، فأدخله الجنة ، ثم قال له ملك الموت : أخرج لتعود إلى مقرك . فتعلق بشجرة وقال : لا أخرج منها . فبعث الله تعالى بينهما ملكا حكما ، فقال مالك لا تخرج ؟ قال : لأن الله تعالى قال " كل نفس ذائقة الموت " {[10881]} [ آل عمران :185 ] وأنا ذقته ، وقال : " وإن منكم إلا واردها " {[10882]} [ مريم :71 ] وقد وردتها ، وقال : " وما هم منها بمخرجين " {[10883]} [ الحجر : 48 ] فكيف أخرج ؟ قال الله تبارك وتعالى لملك الموت : " بإذني دخل الجنة وبأمري يخرج " فهو حي هنالك فذلك قوله " ورفعناه مكانا عليا " قال النحاس : قول إدريس " وما هم منها بمخرجين " يجوز أن يكون الله أعلم هذا إدريس ، ثم نزل القرآن به . قال وهب بن منبه : فإدريس تارة يرتع في الجنة ، وتارة يعبد الله تعالى مع الملائكة في السماء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.