قال اللّه في عقوبة قومه : [ { وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ ] مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ } أي : ما احتجنا أن نتكلف في عقوبتهم ، فننزل جندا من السماء لإتلافهم ، { وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ } لعدم الحاجة إلى ذلك ، وعظمة اقتدار اللّه تعالى ، وشدة ضعف بني آدم ، وأنهم أدنى شيء يصيبهم من عذاب اللّه يكفيهم .
ثم بين - سبحانه - ما نزل بأصحاب القرية من عذاب أهلكهم فقال : { وَمَآ أَنزَلْنَا على قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ } أى : من بعده موته .
{ مِن جُندٍ مِّنَ السمآء } ؛ لأنهم كانوا أحقر وأهون من أن نفعل معهم ذلك .
{ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ } أى : وما صح وما استقام فى حكمتنا أن ننزل عليهم جندا من السماء ، لهوان شأنهم ، وهوان قدرهم .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىَ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مّنَ السّمَآءِ وَمَا كُنّا مُنزِلِينَ * إِن كَانَتْ إِلاّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ } .
يقول تعالى ذكره : وما أنزلنا على قوم هذا المؤمن الذي قتله قومه لدعائه إياهم إلى الله ونصيحته لهم مِنْ بَعْدِهِ يعني : من بعد مهلكه مِنْ جُنْدٍ مِنَ السّماءِ .
واختلف أهل التأويل في معنى الجند الذي أخبر الله أنه لم ينزل إلى قوم هذا المؤمن بعد قتلهموه فقال بعضهم : عُنِي بذلك أنه لم ينزل الله بعد ذلك إليهم رسالة ، ولا بعث إليهم نبيا . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : مِنْ جُنْدٍ مِنَ السّماءِ قال : رسالة .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حَكّام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بَزّة عن مجاهد ، مثله .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَما أنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السّماءِ وَما كُنّا مُنْزِلِينَ قال : فلا والله ما عاتب الله قومه بعد قتله إنْ كانَتْ إلاّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فإذَا هُمْ خامدُونَ .
وقال آخرون : بل عُني بذلك أن الله تعالى ذكره لم يبعث لهم جنودا يقاتلهم بها ، ولكنه أهلكهم بصيحة واحدة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : ثني ابن إسحاق ، عن بعض أصحابه ، أن عبد الله بن مسعود ، قال : غضب الله له ، يعني لهذا المؤمن ، لاستضعافهم إياه غضبةً لم تبق من القوم شيئا ، فعجّل لهم النقمة بما استحلوا منه ، وقال : وَما أنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السمّاءِ وَما كُنّا مُنْزِلِينَ يقول : ما كاثرناهم بالجموع : أي الأمر أيسر علينا من ذلك إنْ كانَتْ إلاّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فإذَا هُمْ خامِدُونَ فأهلك الله ذلك الملك وأهل أنطاكية ، فبادوا عن وجه الأرض ، فلم تبق منهم باقية .
وهذا القول الثاني أولى القولين بتأويل الاَية ، وذلك أن الرسالة لا يقال لها جند إلا أن يكون أراد مجاهد بذلك الرّسُل ، فيكون وجها ، وإن كان أيضا من المفهوم بظاهر الاَية بعيدا ، وذلك أن الرسُل من بني آدم لا ينزلون من السماء والخبر في ظاهر هذه الاَية عن أنه لم ينزل من السماء بعد مَهْلِك هذا المؤمن على قومه جندا وذلك بالملائكة أشبه منه ببني آدم .
{ وما أنزلنا على قومه من بعده } من بعد هلاكه أو رفعه . { من جند من السماء } لإهلاكهم كما أرسلنا يوم بدر والخندق بل كفينا أمرهم بصيحة ملك ، وفيه استحقار لإهلاكهم وإيماء بتعظيم الرسول عليه السلام . { وما كنا منزلين } وما صح في حكمتنا أن ننزل جندا لأهلاك قومه إذ قدرنا لكل شيء سببا وجعلنا ذلك سببا لانتصارك من قومك ، وقيل { ما } موصولة معطوفة على { جند } أي ومما كنا منزلين على من قبلهم من حجارة وريح وأمطار شديدة .
هذه مخاطبة لمحمد صلى الله عليه وسلم فيها توعد لقريش ، إذ هذا هو المروع لهم من المثال ، أي ينزل بهم من عذاب الله ما نزل بقوم حبيب النجار ، فنفى عز وجل ، أي أنه ما أنزل على قوم هذا الرجل { من جند من السماء } ، فقال مجاهد : أراد أنه لم يرسل رسولاً ولا استعتبهم ، قال ابن مسعود : أراد لم يحتج في تعذيبهم إلى جند من جنود الله تعالى كالحجارة والغرق والريح وغير ذلك ، بل كانت صيحة واحدة لأنهم كانوا أيسر وأهون من ذلك ، قال قتادة : والله ما عاتب الله تعالى قومه بعد قتله حتى أهلكهم ، واختلف المتأولون في قوله { وما كنا منزلين } ، فقالت فرقة { ما كنا منزلين } ، { ما } نافية وهذا يجري مع التأويل الثاني في قوله ، { ما أنزلنا من جند } ، وقالت فرقة { وما } عطف على { جند } أي من جند ومن الذي كنا منزلين على الأمم مثلهم قبل ذلك{[9789]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.