وخاطبهم بالإيمان ، ونهاهم عن أكل الربا إن كانوا مؤمنين ، وهؤلاء هم الذين يقبلون موعظة ربهم وينقادون لأمره ، وأمرهم أن يتقوه ، ومن جملة تقواه أن يذروا ما بقي من الربا أي : المعاملات الحاضرة الموجودة ، وأما ما سلف ، فمن اتعظ عفا الله عنه ما سلف ، وأما من لم ينزجر بموعظة الله ولم يقبل نصيحته فإنه مشاق لربه محارب له ، وهو عاجز ضعيف ليس له يدان في محاربة العزيز الحكيم الذي يمهل للظالم ولا يهمله حتى إذا أخذه ، أخذه أخذ عزيز مقتدر .
ثم ينتقل القرآن إلى أسلوب الخطاب المباشر للمؤمنين فيأمرهم بتقوى الله ، وينهاهم عن التعامل بالربا فيقول : { ياأيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله } أي اخشوه وصونوا أنفسكم عن الأعمال والأقوال التي تفضي بكم إلى عقابه .
وقوله : { وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الربا } أي : اتركوا ما بقي في ذمم الذين عاملتموهم بالربا ولا تأخذوا منهم إلا رءوس أموالكم فحسب ، فهذا مقابل لقوله - تعالى - قبل ذلك : { فَلَهُ مَا سَلَفَ } أي ما سلف قبضه من الربا قبل نزول الآية فهو لكم ، وما لم تقبضوه فأنتم مأمورن بتركه .
وقوله : { مِنَ الربا } متعلق بمحذوف على أنه حال من فاعل { بَقِيَ } أي اتركوا الذي بقي حال كونه بعض الربا ، ومن للتعيض .
و { وَذَرُواْ } فعل أمر - بوزن علوا - مبني على حذف النون والواو فاعل ، وأصله " وذروا " فحذفت فاؤه ، والماضي منه " وذر " .
وقوله : { إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } حض لهم على ترك الربا أي إن كنتم مؤمنين حق الإِيمان فامتثلوا أمر الله وذروا ما بقي من الربا مما زاد على رءوس أموالكم .
قال ابن كثير : " نزل هذا السياق في بني عمرو بن عمير بن ثقيف ، وبني المغيرة من بني مخزوم كان بينهم ربا في الجاهلية فلما جاء الإسلام ودخلوا فيه ، طلبت ثقيف أن تأخهذه منهم فتشاوروا . وقالت بنو المغيرة : لا نؤدي في الإِسلام ، فكتب في ذلك عتاب بن أسيد نائب مكة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - فنزلت هذه الآية ، فكتب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه . فقالوا نتوب إلى الله ونذر ما بقى من الربا فتركوه كلهم . وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد لكل ما استمر على تعاطي الربا بعد الإنذار "
{ يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرّبَا إِن كُنْتُمْ مّؤْمِنِينَ }
يعني جل ثناؤه بذلك : يا أيها الذين آمنوا صدّقوا بالله وبرسوله ، اتقوا الله ، يقول : خافوا الله على أنفسكم فاتقوه بطاعته فيما أمركم به ، والانتهاء عما نهاكم عنه ، وذروا ، يعني ودعوا ما بقي من الربا ، يقول : اتركوا طلب ما بقي لكم من فضل على رءوس أموالكم التي كانت لكم قبل أن تربوا عليها إن كنتم مؤمنين ، يقول : إن كنتم محققين إيمانكم قولاً ، وتصديقكم بألسنتكم بأفعالكم . وذكر أن هذه الآية نزلت في قوم أسلموا ، ولهم على قوم أموال من ربا كانوا أربوه عليهم ، فكانوا قد قبضوا بعضه منهم ، وبقي بعض ، فعفا الله جل ثناؤه لهم عما كانوا قد قبضوه قبل نزول هذه الآية ، وحرّم عليهم اقتضاء ما بقي منه .
حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : { يا أيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرّبا } إلى : { وَلا تُظْلَمُونَ } قال : نزلت هذه الآية في العباس بن عبد المطلب ورجل من بني المغيرة كانا شريكين في الجاهلية ، سلفا في الربا إلى أناس من ثقيف من بني عمرو ، وهم بنو عمرو بن عمير ، فجاء الإسلام ولهما أموال عظيمة في الربا ، فأنزل الله { ذَرُوا ما بَقِيَ } من فضل كان في الجاهلية { مِنَ الرّبا } .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج قوله : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرّبا إِنْ كُنْتُمْ مُوءْمِنِينَ } قال : كانت ثقيف قد صالحت النبيّ صلى الله عليه وسلم على أن ما لهم من ربا على الناس ، وماكان للناس عليهم من ربا فهو موضوع . فلما كان الفتح ، استعمل عتاب بن أسيد على مكة ، وكانت بنو عمرو بن عمير بن عوف يأخذون الربا من بني المغيرة وكانت بنو المغيرة يربون لهم في الجاهلية ، فجاء الإسلام ولهم عليهم مال كثير . فأتاهم بنو عمرو يطلبون رباهم ، فأبى بنو المغيرة أن يعطوهم في الإسلام ، ورفعوا ذلك إلى عتاب بن أسيد ، فكتب عتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت : { يا أيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرّبا إِنْ كُنْتُمْ مُوءْمِنِينَ فانْ لَمْ تَفْعَلُوا فأَذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ } إلى : { وَلا تُظْلِمُونَ } ، فكتب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عتاب وقال : «إِنْ رَضُوا وَإِلاّ فَآذِنْهُمْ بِحَرْبٍ » . قال ابن جريج ، عن عكرمة قوله : { اتّقُوا اللّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرّبا } . قال : كانوا يأخذون الربا على بني المغيرة يزعمون أنهم مسعود وعبد ياليل وحبيب وربيعة بنو عمرو بن عمير ، فهم الذين كان لهم الربا على بني المغيرة ، فأسلم عبد ياليل وحبيب وربيعة وهلال ومسعود .
حدثني يحيى بن أبي طالب ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا جويبر ، عن الضحاك في قوله : { اتّقُوا اللّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤمِنِينَ } قال : كان ربا يتبايعون به في الجاهلية ، فلما أسلموا أمروا أن يأخذوا رءوس أموالهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.