وقوله : فَتَوَلّى بِرُكْنِهِ يقول : فأدبر فرعون كما أرسلنا إليه موسى بقومه من جنده وأصحابه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وإن اختلفت ألفاظ قائليه فيه . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : فَتَوَلّى بِرُكُنِهِ يقول لقومه ، أو بقومه ، أنا أشكّ .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : فَتَوَلّى بِرُكْنهِ قال : بعضده وأصحابه .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : فَتَوَلّي بِرُكْنِهِ غلب عدوّ الله على قومه .
حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله تبارك وتعالى فَتَوَلّى بِرُكْنِهِ قال : بجموعه التي معه ، وقرأ لَوْ أنّ لي بِكُمْ قُوّةً أوْ آوِي إلى رُكنٍ شَدِيدٍ قال : إلى قوة من الناس إلى ركن أجاهدكم به قال : وفرعون وجنوده ومن معه ركنه قال : وما كان مع لوط مؤمن واحد قال : وعرض عليهم أن يُنكحهم بناته رجاء أن يكون له منهم عضد يعينه ، أو يدفع عنه ، وقرأ هَؤُلاءِ بَناتي هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ قال : يريد النكاح ، فأبوا عليه ، وقرأ قول الله تبارك وتعالى : لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقَ وَإنّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ أصل الركن : الجانب والناحية التي يعتمد عليها ويقوَى بها .
وقوله : وَقالَ ساحِرٌ أوْ مَجْنُونٌ يقول : وقال لموسى : هو ساحر يسحر عيون الناس ، أو مجنون ، به جِنّة . وكان معمر بن المثنى يقول : أو في هذا الموضع بمعنى الواو التي للموالاة ، لأنهم قد قالوهما جميعا له ، وأنشد في ذلك بيت جرير الخطفي :
أَثَعْلَبَةَ الفَوَارِسَ أوْ رِياحا *** عَدَلَتْ بِهِمْ طُهَيّةَ والخِشابا
والتولي حقيقته : الانصراف عن المكان . والركن حقيقته : ما يعتمد عليه من بناء ونحوه ، ويسمى الجسدُ ركناً لأنه عماد عمل الإِنسان .
قوله : { فتولى بركنه } تمثيل لهيئة رفضه دعوة موسى بهيئة المنصرف عن شخص . وبإيرادِ قوله : { بركنه } تَمَّ التمثيل ولولاه لكان قوله : { تولى } مجرد استعارة .
والباء للملابسة ، أي ملابساً ركنه كما في قوله : { أعرض ونأى بجانبه } [ الإسراء : 83 ] .
والمليم : الذي يجعل غيره لائماً عليه ، أي وهو مذنب ذنباً يلومه الله عليه ، أي يؤاخذه به . والمعنى : أنه مستوجب العقاب كما قال : { فلا تلوموني ولوموا أنفسكم } [ إبراهيم : 22 ] .
والمعنى : أن في قصة موسى وفرعون آيةً للذين يخافون العذاب الأليم فيجتنبون مثل أسباب ما حل بفرعون وقومه من العذاب وهي الأسباب التي ظهرت في مكابرة فرعون عن تصديق الرسول الذي أرسل إليه ، وأن الذين لا يخافون العذاب لا يؤمنون بالبعث والجزاء لا يتعظون بذلك لأنهم لا يصدقون بالنواميس الإِلهية ولا يتدبرون في دعوة أهل الحق فهم لا يزالون مُعرضين ساخرين عن دعوة رسولهم متكبرين عليه ، مُكابرين في دلائل صدقه ، فيوشك أن يحل بهم من مثل ما حلّ بفرعون وقومه ، لأن ما جاز على المثل يجوز على المماثل ، وقد كان المسلمون يقولون : إن أبا جهل فِرعون هذه الأمة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.