{ هُوَ الّذِي أَنْزَلَ مِنَ السّمَاءِ مَآءً لّكُم مّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ } .
يقول تعالى ذكره : والذي أنعم عليكم هذه النعم وخلق لكم الأنعام والخيل وسائر البهائم لمنافعكم ومصالحكم ، هو الربّ الذي أنزل من السماء ماء ، يعني : مطرا لكم من ذلك الماء شراب تشربونه ومنه شراب أشجاركم وحياة غروسكم ونباتها . فِيهِ تُسِيمُونَ يقول : في الشجر الذي ينبت من الماء الذي أنزل من السماء تسيمون ، يعني ترعون ، يقال منه : أسام فلان إبله يسيمها إسامة إذا أرعاها ، وسوّمها أيضا يسوّمها ، وسامت هي إذا رعت ، فهي تسوم ، وهي إبل سائمة ومن ذلك قيل للمواشي المطلقة في الفلاة وغيرها للرعي سائمة . وقد وجّه بعضهم معنى السوم في البيع إلى أنه من هذا ، وأنه ذهاب كلّ واحد من المتبايعين فيما ينبغي له من زيادة ثمن ونقصانه ، كما تذهب سوائم المواشي حيث شاءت من مراعيها ومنه قول الأعشى :
وَمَشَى القَوْمُ بالعمادِ إلى المَرْ *** عَى وأعْيا المُسِيمَ أيْنَ المَساقُ
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن النضْر بن عربي ، عن عكرمة : وَمِنْهُ شَجَرٌ فيهِ تُسيمُونَ قال : ترعون .
حدثنا أحمد بن سهيل الواسطي ، قال : حدثنا قرة بن عيسى ، عن النضر بن عربي ، عن عكرمة ، في قوله : فيهِ تُسيمُونَ قال : ترعون .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن خصيف ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : ترعون .
حدثني عليّ بن داود ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، مثله .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَمِنْهُ شَجَرٌ فيهِ تُسيمُونَ يقول : يرعون فيه أنعامهم وشَاءَهُمْ .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : فيهِ تُسيمُونَ قال : ترعون .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا معاوية وأبو خالد ، عن جويبر ، عن الضحاك : فيه ترعون .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، عن الضحاك ، في قوله : تُسيمُونَ يقول : ترعون أنعامكم .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن طلحة بن أبي طلحة القناد ، قال : سمعت عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزي ، قال : فيه ترعون .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : شَجَرٌ فيهِ تُسيمُونَ يقول : ترعون .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : ترعون .
حدثنا محمد بن سنان ، قال : حدثنا سليمان ، قال : حدثنا أبو هلال ، عن قتادة في قول الله : شَجَرٌ فيهِ تُسيمُونَ قال : تَرْعون .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَمِنْهُ شَجَرٌ فيهِ تُسيمُونَ قال : تَرْعون . قال : الإسامة : الرّعية .
مثلَ ابنِ بَزْعَةَ أو كآخَرَ مِثْلِهِ *** أوْلى لَكَ ابنَ مُسِيمةِ الأجْمالِ
هذا تعديد نعمة الله في المطر ، وقوله { ومنه شجر } أي يكون منه بالتدريج ، إذ يسقي الأرض فينبت عن ذلك السقي الشجر ، وهذا من التجوز ، كقول الشاعر : [ الرجز ]
أسنمة الآبال في ربابه{[7259]} . . . وكما سمى الآخر العشب سماء ، في قوله : [ الوافر ]
إذا نزل السماء بأرض قوم . . . رعيناه وإن كانوا غضابا{[7260]}
قال أبو إسحاق : يقال لكل ما نبت على الأرض شجر ، وقال عكرمة لا تأكلوا ثمن الشجر فإنه سحت يعني الكلأ . و { تسيمون } معناه ترعون أنعامكم وسومها من الرعي وتسرحونها ، ويقال للأنعام السائمة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «وفي سائمة الغنم الزكاة »{[7261]} ، يقال أسام الرجل ماشيته إسامة إذا أرسلها ترعى ، وسومها أيضاً وسامت هي ، ومن ذلك قول الأعشى :
ومشى القوم بالأنعام إلى الرَّو . . . حتى وأعيى المسيم أين المساق{[7262]}
مثل ابن بزعة أو كآخر مثله . . . أولى لك ابن مسيمة الأجمال{[7263]} أي راعية للأجمال وفسر المتأولون بترعون .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.