الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗۖ لَّكُم مِّنۡهُ شَرَابٞ وَمِنۡهُ شَجَرٞ فِيهِ تُسِيمُونَ} (10)

قوله تعالى : { مَآءً لَّكُم مَّنْهُ شَرَابٌ } : يجوزُ في " لكم " أن يتعلَّقَ ب " أنْزَلَ " ، ويجوزُ أن يكونَ صفةً ل " ماءً " ، فيتعلَّقَ بمحذوفٍ ، فعلى الأولِ يكون " شرابٌ " مبتدأً و " منه " خبرُه مقدَّمٌ عليه ، والجملةُ أيضاً صفةٌ ل " ماءً " وعلى الثاني يكون " شرابٌ " فاعلاً بالظرف ، و " منه " حالٌ من " شراب " . و " مِنْ " الأولى للتبعيض ، وكذا الثانيةُ عند بعضِهم ، لكنه مجاز لأنه لمَّا كان سَقْيُه بالماء جُعِل كأنه من الماء كقوله :

أسنِمَة الآبالِ في رَبابَهْ ***

أي : في سَحابة ، يعني به المطرَ الذي يَنْبُتُ به الكلأُ الذي تأكلُه الإِبِلُ فَتَسْمَنُ اَسْنِمَتُها .

وقال أبو بكر بن الأنباري : " هو على حذف مضاف إمَّا من الأول ، يعني قبل الضمير ، أي : مِنْ سَقْيِه وجِهتِه شجرٌ ، وإمَّا من الثاني ، يعني قبل شجر ، أي : شُرْب شجر أو حياة شجر " . وجعل أبو البقاء الأولى للتبعيض والثانية للسبيية ، أي : بسببه ، ودَلَّ عليه قولُه : { يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ } .

والشَّجَرُ هنا : كلُّ نباتٍ من الأرض حتى الكَلأُ ، وفي الحديث : " لا تأكُلوا الشجرَ فإنه سُحْتٌ " يعني الكلأ ، ينهى عن تحجُّر المباحاتِ المحتاجِ إليها بشدة . وقال :

نُطْعِمُها اللحمَ إذا عَزَّ الشجَرْ ***

وهو مجازٌ ؛ لأنَّ الشجرَ ما كان له ساقٌ .

قوله : { فِيهِ تُسِيمُونَ } هذه صفةٌ أخرى ل " ماءً " . والعامَّة على " تُسِيمون " بضمِّ الياء مِنْ أسام ، أي : أَرْسَلَها لِتَرْعى ، وزيد بن علي بفتحِها ، فيحتمل أن يكونَ متعدياً ، ويكون فَعَل وأَفْعَل بمعنى ، ويحتمل أن يكون لازماً على حذفِ مضافٍ ، أي : تَسِيْمُ مواشِيَكُمْ .