فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗۖ لَّكُم مِّنۡهُ شَرَابٞ وَمِنۡهُ شَجَرٞ فِيهِ تُسِيمُونَ} (10)

{ هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ ( 10 ) }

ولما استدل سبحانه على وجوده وكمال قدرته وبديع صنعته بعجائب أحوال الحيوانات أراد أن يذكر الاستدلال على المطلوب بغرائب أحوال النبات فقال : { هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ } جهة { السَّمَاء } وهي السحاب { مَاء } أي نوعا من أنواع الماء وهو المطر { لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ } هو اسم لما يشرب كالطعام لما يطعم ، والمعنى أن الماء النازل من السماء قسمان ، قسم يشربه الناس ومن جملته ماء الآبار والعيون فإنه من المطر لقوله فسلكه ينابيع في الأرض { وَ } قسم يحصل { مِنْهُ شَجَرٌ } ترعاه المواشي .

قال الزجاج : كل ما نبت من الأرض فهو شجر لأن التركيب يدل على الاختلاط ، ومنه تشاجر القوم إذا اختلط أصوات بعضهم بالبعض ، ومعنى الاختلاط حاصل في العشب والكلأ وفيما له ساق . وقال ابن قتيبة : المراد من الشجر في الآية الكلأ ، وقيل الشجر كل ما له ساق لقوله تعالى : { والنجم والشجر يسجدان } والعطف يقتضي التغاير ، فلما كان النجم ما لا ساق له وجب أن يكون الشجر ما له ساق ، وأجيب بأن عطف الجنس على النوع جائز .

{ فِيهِ تُسِيمُونَ } أي في الشجر ترعون مواشيكم ، يقال سامت السائمة تسوم سوما رعت فهي سائمة ، واسمتها أي أخرجتها إلى الرعي فأنا مسيم وهي مسامة وسائمة ، وأصل السوم الإبعاد في المرعى ، قال الزجاج : أخذ من السومة وهي العلامة لأنها تؤثر في الأرض علامات برعيها .

وهذه الآية مبنية على مكارم الأخلاق ، وهو أن يكون اهتمام الإنسان بمن يكون تحت يده أكمل من اهتمامه بنفسه . وأما الآية الأخرى { كلوا وارعوا أنعامكم } فمبنية على قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( ابدأ بنفسك ثم بمن تعول )