المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗۖ لَّكُم مِّنۡهُ شَرَابٞ وَمِنۡهُ شَجَرٞ فِيهِ تُسِيمُونَ} (10)

هذا تعديد نعمة الله في المطر ، وقوله { ومنه شجر } أي يكون منه بالتدريج ، إذ يسقي الأرض فينبت عن ذلك السقي الشجر ، وهذا من التجوز ، كقول الشاعر : [ الرجز ]

أسنمة الآبال في ربابه{[7259]} . . . وكما سمى الآخر العشب سماء ، في قوله : [ الوافر ]

إذا نزل السماء بأرض قوم . . . رعيناه وإن كانوا غضابا{[7260]}

قال أبو إسحاق : يقال لكل ما نبت على الأرض شجر ، وقال عكرمة لا تأكلوا ثمن الشجر فإنه سحت يعني الكلأ . و { تسيمون } معناه ترعون أنعامكم وسومها من الرعي وتسرحونها ، ويقال للأنعام السائمة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «وفي سائمة الغنم الزكاة »{[7261]} ، يقال أسام الرجل ماشيته إسامة إذا أرسلها ترعى ، وسومها أيضاً وسامت هي ، ومن ذلك قول الأعشى :

ومشى القوم بالأنعام إلى الرَّو . . . حتى وأعيى المسيم أين المساق{[7262]}

ومنه قول الآخر : [ الكامل ]

مثل ابن بزعة أو كآخر مثله . . . أولى لك ابن مسيمة الأجمال{[7263]} أي راعية للأجمال وفسر المتأولون بترعون .


[7259]:الأسمنة: جمع سنام وهو الجزء المرتفع من ظهر الجمل، والآبال: جمع إبل، وإبل جمع لا مفرد له، وربما قالوا (إبل) بسكون الباء. والرباب: السحاب الأبيض، وقيل: هو السحاب المتعلق الذي تراه كأنه دون السحاب، والواحدة: ربابة، وبهذا سميت المرأة الرباب، قال الشاعر: سقى دار هند حيث حل بها النوى مسف الذرى داني الرباب سخيـــــــــــــن. والشاهد أنه جعل الأسنمة في السحاب، وهذا من التجوز، إذ المراد أن الأسنمة تنمو من أكل النبات الذي ينشأ عن المطر النازل من السحاب.
[7260]:البيت لمعود الحكماء معاوية بن مالك، وسمي معود الحكماء لقوله في قصيدته التي منها هذا البيت: أعود مثلها الحكماء بعدي إذا ما الحق في الحدثان نابــــا وهو في الأمالي للقالي (1 ـ 181)، والرواية فيها "إذا سقط السماء"، والبيت تصوير لشجاعتهم و هيبتهم، فهم يرعون في أي أرض وإن كان أصحابها غضابا محافظين على حقوقهم ، والشاهد كما قال المؤلف أنه أطلق على الغيث اسم السماء، وفيه أيضا من التجوز أنه جعل الرعي للغيث، مع أن الإبل ترعى النبات الذي ينبت بسبب الغيث.
[7261]:الحديث في الموطأ، وأخرجه أبو داود، والدارمي في كتاب الزكاة، و لفظه في الدارمي : (عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب الصدقة، وكان في الغنم في كل أربعين سائمة شاة إلى العشرين ومائة، فإذا زادت ففيها شاتان إلى مائتين،فاذا زادت ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة، فاذا زادت شاة لم يجب فيها إلا ثلاث شياه حتى تبلغ أربعمائة، فإذا بلغت أربعمائة شاة ففي كل مائة شاة، ولا تؤخذ في الصدقة هرمة، ولا ذات عوار ولا ذات عيب).
[7262]:البيت من قصيدة له قالها بنجران يتشوق إلى قومه مفتخرا بهم، والرزحى: التي الراعي، والمساق: المكان الذي تساق إليه الماشية، والرواية في الطبري: "إلى المرعى" بدلا من "إلى الرزحى".
[7263]:البيت للأخطل، وهو في الديوان من قصيدة قالها في مدح عكرمة بن ربعي الفياض، ويروى: "كابن البزيعة"، ويعني بابن بزعة شداد بن المنذر أخا حصين الذهلي، و يعني بقوله: "كآخر مثله" حوشب بن رؤيم، وقبل هذا البيت يقول مخاطبا عكرمة: ولقد مننت على ربيعة كلهــــا وكفيت كل مواكل خذال إلى أن يقول: مثل ابن بزعة . . . الخ، و هو يعيره بأن أمه ترعى الإبل كالإماء، و الشاهد هنا أن كلمة "مسيمة" معناها: التي ترعى الإبل من "السوم" وهو الرعي.