السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗۖ لَّكُم مِّنۡهُ شَرَابٞ وَمِنۡهُ شَجَرٞ فِيهِ تُسِيمُونَ} (10)

ولما ذكر تعالى نعمه على عباده بخلق الحيوانات لأجل الانتفاع والزينة عقبه بذكر إنزال المطر لأنه من أعظم النعم على عباده فقال : { هو } أي : لا غيره مما تدعى فيه الإلهية { الذي أنزل } أي : بقدرته الباهرة { من السماء } إمّا من نفسها أو من غيرها أو من جهتها أو من السحاب كما هو مشاهد { ماء } أي : واحداً تحسونه بالذوق والبصر { لكم منه } أي : من ذلك الماء { شراب } أي : تشربونه وقد بيّن تعالى في آية أخرى أنّ هذه النعمة جليلة فقال : { وجعلنا من الماء كل شيء حيّ } [ الأنبياء ، 30 ] . فإن قيل : ظاهر هذا أنّ شرابنا ليس إلا من المطر ؟ أجيب : بأنه تعالى لم ينف أن يشرب من غيره وبتقدير الحصر لا يمتنع أن يكون الماء العذب تحت الأرض من جملة ماء المطر سكن هناك بدليل قوله في سورة المؤمنون : { وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض } [ المؤمنون ، 18 ] . { ومنه } أي : من الماء { شجر } أي : ينبت بسببه والشجر هنا كل نبات من الأرض حتى الكلأ وفي الحديث : «لا تأكلوا ثمن الشجر فإنه سحت » يعني الكلأ . فإن قيل : قال المفسرون : في قوله تعالى : { والنجم والشجر يسجدان } [ الرحمن ، 6 ] المراد من النجم ما ينجم من الأرض مما ليس له ساق ومن الشجر ما له ساق ؟ أجيب : بأن عطف الجنس على النوع وبالضدّ مشهور وأيضاً فلفظ الشجر يشعر بالاختلاط يقال : تشاجر القوم إذا اختلط أصوات بعضهم ببعض وتشاجرت الرياح إذا اختلطت وقال تعالى : { حتى يحكموك فيما شجر بينهم } [ النساء ، 65 ] ومعنى الاختلاط حاصل في العشب والكلأ . فوجب إطلاق لفظ الشجر عليه ويصح أن يكون المراد بالشجر هنا ما له ساق لأنّ الإبل تقدر على رعي ورق الأشجار الكبار وحينئذٍ فإطلاق الشجر على الكلأ مجاز . { فيه } أي : الشجر { تسيمون } أي : ترعون مواشيكم يقال : أسمت الماشية إذا خليتها ترعى وسامت هي إذا رعت حيث شاءت . قال الزجاج : أخذ ذلك من السومة وهي العلامة لأنها تؤثر في الأرض برعيها علامات وقال غيره : لأنها تعلم الإرسال في المرعى .