عرضت هذه السورة الكريمة أحوال القيامة ، وذكرت بما أصاب الأمم السابقة من الهلاك ، والأخذ الشديد حين كذبوا ، وتحدثت عن النفخ في الصور ، وما يصيب الأرض والجبال والسماء من التغير والزوال ، وما يكون بعد ذلك من العرض للحساب ، وبشرت أصحاب اليمين بما يلقون من جزاء كريم ونعيم مقيم ، وأنذرت أصحاب الشمال بالحسرة والعذاب الأليم ، وختمت بالحديث عن صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغه ، وعن صدق القرآن الذي هو حق اليقين .
القول في تأويل قوله تعالى : { الْحَاقّةُ * مَا الْحَآقّةُ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الْحَاقّةُ * كَذّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ } .
يقول تعالى ذكره : الساعة الْحاقّةُ التي تحقّ فيها الأمور ، ويجب فيها الجزاء على الأعمال ما الْحاقّةُ يقول : أيّ شيء الساعة الحاقة . وذُكر عن العرب أنها تقول : لما عرف الحاقة متى والحقة متى ، وبالكسر بمعنى واحد في اللغات الثلاث ، وتقول : وقد حقّ عليه الشيء إذا وجب ، فهو يحقّ حقوقا . والحاقة الأولى مرفوعة بالثانية ، لأن الثانية بمنزلة الكناية عنها ، كأنه عجب منها ، فقال : الحاقة : ما هي كما يقال : زيد ما زيد . والحاقة الثانية مرفوعة بما ، وما بمعنى أي ، وما رفع بالحاقة الثانية ، ومثله في القرآن وأصحَابُ اليَمِين ما أصحَابُ اليَمِينِ و القارِعَةُ ما القارِعَةُ فما في موضع رفع بالقارعة الثانية والأولى بجملة الكلام بعدها . وبنحو الذي قلنا في قوله : الْحاقّةُ قال أهل التأويل ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله الْحاقّةُ قال : من أسماء يوم القيامة ، عظمه الله ، وحذّره عباده .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن شريك ، عن جابر ، عن عكرِمة قال : الْحاقّةُ القيامة .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا بزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : الْحاقّةُ يعني الساعة أحقت لكل عامل عمله .
حدثني ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة الْحاقّةُ قال : أحقت لكلّ قوم أعمالهم .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : الْحاقّةُ يعني القيامة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : الْحاقّةُ ما الْحاقّةُ و القَارعةُ ما القارعة و الواقعةُ و الطّامّة و الصّاخّة قال : هذا كله يوم القيامة الساعة ، وقرأ قول الله : لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ خافِضَةٌ رَافِعَةٌ والخافضة من هؤلاء أيضا خفضت أهل النار ، ولا نعلم أحدا أخفض من أهل النار ، ولا أذلّ ولا أخرى ورفعت أهل الجنة ، ولا نعلم أحدا أشرف من أهل الجنة ولا أكرم . وقوله : وَما أدْرَاكَ ما الْحاقّةُ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وأيّ شيء أدراك وعرّفك أيّ شيء الحاقة .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان قال : ما في القرآن «وما يدريك » فلم يخبره ، وما كان «وما أرداك » ، فقد أخبره .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَما أدْرَاكَ ما الْحاقّةُ تعظيما ليوم القيامة كما تسمعون .
بسم الله الرحمن الرحيم سورة الحاقة وهي مكية بالإجماع وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال قال خرجت يوما بمكة متعرضا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته قد سبقني للمسجد الحرام فجئت فوقفت وراءه فافتتح سورة الحاقة فلما سمعت سرد القرآن قلت في نفسي إنه لشاعر كما تقول قريش حتى بلغ إلى قوله ‘ إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون تنزيل من رب العالمين ‘ الحاقة 40 - 41 - 42 - 43 ثم مر حتى انتهى الى آخر السورة فأدخل الله تعالى في قلبي الإسلام{[1]}
{ الحاقة } اسم فاعل ، من حق الشيء يحق إذا كان صحيح الوجود ، ومنه { حقت كلمة العذاب }{[11277]} [ الزمر : 71 ] ، والمراد به القيامة والبعث ، قاله ابن عباس وقتادة ، لأنها حقت لكل عامل عمله . وقال بعض المفسرين : { الحاقة } مصدر كالعاقبة والعافية ، فكأنه قال : ذات الحق . وقال ابن عباس وغيره : سميت القيامة حاقة ، لأنها تبدي حقائق الأشياء واللفظة رفع بالابتداء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.