وقوله { إن عبادي } الآية ، قول من الله تعالى لإبليس ، وقوله { عبادي } يريد المؤمنين في الكفر ، والمتقين في المعاصي ، وخصهم باسم العباد ، وإن كان اسماً عاماً لجميع الخلق ، من حيث قصد تشريفهم والتنويه بهم ، كما يقول رجل لأحد بنيه إذا رأى منه ما يحب : هذا ابني ، على معنى التنبيه منه والتشريف له ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص : «هذا خالي فليرني امرؤ خاله »{[7627]} و «السلطان » الملكة والتغلب ، وتفسيره هنا بالحجة قلق ، ثم قال تعالى لنبيه عليه السلام : { وكفى بربك } يا محمد حافظاً للمؤمنين ، وقيماً على هدايتهم .
وجملة { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان } من تمام الكلام المحكي ب { قال اذهب } [ الإسراء : 63 ] . وهي جملة مستأنفة استئنافاً بيانياً ناشئاً عن قوله : { فمن تبعك منهم } [ الإسراء : 63 ] وقوله : { واستفزز من استطعت منهم } [ الإسراء : 64 ] ، فإن مفهوم { من تبعك } و { من استطعت } [ الإسراء : 64 ] ذريّة من قبيل مفهوم الصفة فيفيد أن فريقاً من درية آدم لا يتبع إبليس فلا يحتنكه . وهذا المفهوم يفيد أن الله قد عصم أو حفظ هذا الفريق من الشيطان ، وذلك يثير سؤالاً في خاطر إبليس ليعلم الحائل بينه وبين ذلك الفريق بعد أن علم في نفسه علماً إجمالياً أن فريقاً لا يحتنكه لقوله : { لأحتنكن ذريته إلا قليلاً } [ الإسراء : 62 ] . فوقعت الإشارة إلى تعيين هذا الفريق بالوصف وبالسبب .
فأما الوصف ففي قوله : { عبادي } المفيد أنهم تمحضوا لعبودية الله تعالى كما تدل عليه الإضافة ، فعلم أن من عبدوا الأصنام والجن وأعرضوا عن عبودية الله تعالى ليسوا من أولئك .
وأما السبب ففي قوله : { وكفى بربك وكيلاً } المفيد أنهم توكلوا على الله واستعاذوا به من الشيطان ، فكان خير وكيل لهم إذ حاطهم من الشيطان وحفظهم منه .
وفي هذا التوكل مراتب من الانفلات عن احتناك الشيطان ، وهي مراتب المؤمنين من الأخذ بطاعة الله كما هو الحق عند أهل السنّة .
فالسلطان المنفي في قوله : { ليس لك عليهم سلطان } هو الحكم المستمر بحيث يكونون رعيته ومن جنده . وأما غيرهم فقد يستهويهم الشيطان ولكنهم لا يلبثون أن يثوبوا إلى الصالحات ، وكفاك من ذلك دوام توحيدهم لله ، وتصديقهم رسوله ، واعتبارهم أنفسهم عباداً لله متطلبين شكر نعمته ، فشتان بينهم وبين أهل الشرك وإن سخفت في شأنهم عقيدَةُ أهل الاعتزال . وقد تقدم معنى هذا عند قوله تعالى : { إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون } في سورة [ النحل : 99 100 ] .
فالمؤمن لا يتولى الشيطانَ أبداً ولكنه قد ينخدع لوسواسه ، وهو مع ذلك يلعنه فيما أوقعه فيه من الكبائر ، وبمقدار ذلك الانخداع يقترب من سلطانه . وهذا معنى قول النبي في خطبة حجة الوداع : إن الشيطان قد يئس أن يُعبد في بلدكم هذا ولكنه قد رضي بما دون ذلك مما تحقرون من أعمالكم .
فجملة { وكفى بربك وكيلاً } يجوز أن تكون تكملة لتوبيخ الشيطان ، فيكون كاف الخطاب ضمير الشيطان تسجيلاً عليه بأنه عبدُ الله ، ويجوز أن تكون معترضة في آخر الكلام فتكون كاف الخطاب ضمير النبي صلى الله عليه وسلم تقريباً للنبيء بالإضافة إلى ضمير الله . ومآل المعنى على الوجهين واحد وإن اختلف الاعتبار .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.