المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَإِذَا رَأَوۡكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَٰذَا ٱلَّذِي بَعَثَ ٱللَّهُ رَسُولًا} (41)

41- وإذا أبصرك هؤلاء لا يتخذونك إلا موضع هزؤ وسخرية ، ويقول بعضهم لبعض : أهذا هو الذي بعثه الله رسولاً إلينا نتبعه ونسير وراءه ؟ !

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِذَا رَأَوۡكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَٰذَا ٱلَّذِي بَعَثَ ٱللَّهُ رَسُولًا} (41)

وبعد هذا العرض لأحوال بعض الأمم الماضية ، عادت السورة الكريمة إلى بيان ما كان المشركون يقولونه عند رؤيتهم للنبى صلى الله عليه وسلم وإلى بيان سوء عاقبتهم ، وفرط جهالاتهم ، قال - تعالى - : { وَإِذَا رَأَوْكَ إِن . . . } .

قال الإمام ابن كثير - رحمه الله - : يخبر - تعالى - عن استهزاء المشركين بالرسول صلى الله عليه وسلم إذا رأوه ، كما قال - تعالى - : { وَإِذَا رَآكَ الذين كفروا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أهذا الذي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ . . . } بعنونه بالعيب والنقص . .

ومن عجب أن هؤلاء المشركين الذين كانوا يستهزئون بالرسول صلى الله عليه وسلم بعد بعثته إليهم ، هم أنفسهم الذين كانوا يلقبونه قبل بعثته بالصادق الأمين ، وما ملهم على هذا الكذب والجحود إلا الحسد والعناد .

وقوله - تعالى - : { أهذا الذي بَعَثَ الله رَسُولاً } مقول لقول محذوف وعائد الموصول محذوف - أيضا - . أى : كلما وقعت أبصار أعدائك عليك - أيها الرسول الكريم - سخروا منك ، واستنكروا نبوتك ، وقالوا على سبيل الاستبعاد والتهكم : أهذا هو الإنسان الذي بعثه الله - تعالى - ليكون رسولا إلينا . وقولهم هذا الذى حكاه القرآن عنهم ، يدل على أنهم بلغوا أقصى درجات الجهالة وسوء الأدب .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِذَا رَأَوۡكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَٰذَا ٱلَّذِي بَعَثَ ٱللَّهُ رَسُولًا} (41)

ثم وقفهم على إعراضهم وتعرضهم لسخط الله بعد رؤيتهم العبرة من تلك القرية ، ثم حكم عليهم أنهم إذا رأوا محمداً صلى الله عليه وسلم استهزؤوا به واستحقروه وأبعدوا أن يبعثه الله رسولاً ، فقالوا على جهة الاستهزاء { أهذا الذي بعث الله رسولاً } وفي { بعث } ضمير يعود على الذي حذف اختصاراً وحسن ذلك في الصلة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِذَا رَأَوۡكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَٰذَا ٱلَّذِي بَعَثَ ٱللَّهُ رَسُولًا} (41)

كان ما تقدمت حكايته من صنوف أذاهُم الرسولَ عليه الصلاة والسلام أقوالاً في مغيبه ، فعُطف عليها في هذه الآية أذى خاص وهو الأذى حين يرونه . وهذا صنف من الأذى تبعثهم إليه مشاهدة الرسول في غير زيّ الكبراء والمترَفين لا يجرّ المطارف ولا يركب النجائب ولا يمشي مرحاً ولا ينظر خُيلاء ويجالس الصالحين ويُعرض عن المشركين ، ويرفق بالضعفاء ويواصل الفقراء ، وأولئك يستخفون بالخلُق الحسن ، لما غلب على آرائهم من أفَن ، لذلك لم يخل حاله عندهم من الاستهزاء به إذا رَأوه بأن حاله ليست حال من يختاره الله لرسالته دونَهم ، ولا هو أهل لقيادتهم وسياستهم . وهذا الكلام صدر من أبي جهل وأهل ناديه .

و { إذا } ظرف زمان مضمَّن معنى الشرط فلذلك يجعل متعلَّقه جواباً له . فجملة { إن يتخذونك إلا هزؤاً } جوابُ { إذا } . والهُزُؤ بضمتين : مصدر هزأ به . وتقدم في قوله : ( تعالى ) { قالوا أتَتّخِذُنا هُزوءاً } في سورة البقرة ( 67 ) . والوصف للمبالغة في استهزائهم به حتى كأنه نفس الهُزؤ لأنهم محَّضوه لذلك ، وإسناد { يتخذونك } إلى ضمير الجمع للدلالة على أن جماعاتهم يستهزئون به إذا رأوه وهم في مجالسهم ومنتدياتهم . وصيغة الحصر للتشنيع عليهم بأنهم انحصر اتخاذُهم إياه في الاستهزاء به يلازمونه ويدْأبون عليه ولا يخلطون معه شيئاً من تذكر أقواله ودعوته ، فالاستثناء من عموم الأحوال المنفية ، أي لا يتخذونك في حالة إلا في حالة الاستهزاء .

وجملة { أهذا الذي بعث الله رسولاً } بيان لجملة { إن يتخذونك إلا هزؤاً } لأن الاستهزاء من قبيل القول فكان بيانه بما هو من أقوالهم ومجاذَبتهم الأحاديث بينهم .

والاستفهام إنكار لأن يكون بعثَه الله رسولاً .

واسم الإشارة مستعمل في الاستصغار كما علمت في أول تفسير هذه الآية .

والمعنى : إنكار أن يكون المشار إليه رسولاً لأن في الإشارة إليه ما يكفي للقطع بانتفاء أنه رسول الله في زعمهم ، وقد تقدم قريب من هذه الجملة في قوله تعالى : { وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هُزؤاً أهذا الذي يذكر آلهتكم } في سورة الأنبياء ( 36 ) ، سوى أن الاستفهام هنالك تعجبي فانظره .

قولهم إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها } فالمقصود منه تفاخرهم بتصلبهم في دينهم وأنهم كادوا أن يتبعوا دعوة الرسول بما يلقيه إليهم من الإقناع والإلحاح فكان تَأثر أسماعِهم بأقواله يُوشك بهم أن يرفضوا عبادة الأصنام لولا أنهم تريَّثوا ، فكان في الريث أن أفاقوا من غِشاوة أقواله وخلابة استدلاله واستبصروا مرآة فانجلى لهم أنه لا يستأهل أن يكون مبعوثاً من عند الله ، فقد جمعوا من كلامهم بين تزييف حجته وتنويه ثباتهم في مقام يَستفز غير الراسخين في الكفر . وهذا الكلام مشوب بفَسادِ الوضع ومؤلف على طرائق الدهماء إذ يتكلمون كما يشتهون ويستبلهون السامعين .

ومن خلابة المغالطة إسنادهم مقاربة الإضلال إلى الرسول دون أنفسهم ترفعاً على أن يكونوا قاربوا الضلال عن آلهتهم مع أن مقاربته إضلالَهم تستلزم اقترابهم من الضلال .