الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{وَإِذَا رَأَوۡكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَٰذَا ٱلَّذِي بَعَثَ ٱللَّهُ رَسُولًا} (41)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{وإذا رأوك} يعني: النبي صلى الله عليه وسلم {إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي بعث الله رسولا}.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وإذا رآك هؤلاء المشركون الذين قصصت عليك قصصهم "إنْ يَتّخِذُونَكَ إلاّ هُزُوا "يقول: ما يتخذونك إلا سخرية يسخرون منك، يقولون: أهذا الّذِي بَعثَ اللّهُ إلينا رَسُولاً من بين خلقه.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

كانوا إذا رأوه هزئوا به، وإذا خلا بعضهم إلى بعض يقولون في ما بينهم: {أبعث الله بشرا رسولا}؟ [الإسراء: 94] هكذا كانت عادة الكفرة يهزؤون به إذا حضروه، وإذا غابوا عنه قالوا ما ذكر.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

يقول الله تعالى حاكيا عن الكفار الذين وصفهم بأنه "إذا رأوك "يا محمد وشاهدوك لا يتخذونك "إلا هزوا" أي سخريا، والهزو: إظهار خلاف الإبطان لاستصغار القدر على وجه اللهو. وأنهم ليقولون "أهذا الذي بعث الله رسولا" متعجبين من ذلك، ومنكرين له، لانهم يعتقدون في الباطن أنه ما بعثه الله.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

ثم وقفهم على إعراضهم وتعرضهم لسخط الله بعد رؤيتهم العبرة من تلك القرية، ثم حكم عليهم أنهم إذا رأوا محمداً صلى الله عليه وسلم استهزأوا به واستحقروه وأبعدوا أن يبعثه الله رسولاً...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما أثبت تكذيبهم بالآخرة، عطف عليه تحقيقاً قوله، مبيناً أنهم لم يقتصروا على التكذيب بالممكن المحبوب حتى ضموا إليه الاستهزاء بمن لا يمكن أصلاً في العادة أن يكون موضعاً للهزء: {وإذا رأوك} أي مع ما يعلمون من صدق حديثك وكرم أفعالك لو لم تأتهم بمعجزة، فكيف وقد أتيتهم بما بهر العقول {إن} أي ما {يتخذونك إلا هزواً} عبر بالمصدر إشارة إلى مبالغتهم في الاستهزاء مع شدة بعده صلى الله عليه وسلم عن ذلك، يقولون محتقرين: {أهذا} وتهكموا مع الإنكار في قولهم {الذي بعث الله} أي المستجمع لنعوت العظمة {رسولاً} فإخراجهم الكلام في معرض التسليم والإقرار -وهم في غاية الجحود- بالغ الذروة من الاستهزاء، فصار المراد عندهم أن هذا الذي ادعاه من الرسالة مما لا يجوز أن يعتقد.

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

أي: وإذا رآك يا محمد هؤلاء المكذبون لك المعاندون لآيات [الله] المستكبرون في الأرض استهزءوا بك واحتقروك وقالوا -على وجه الاحتقار والاستصغار- {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا} أي: غير مناسب ولا لائق أن يبعث الله هذا الرجل، وهذا من شدة ظلمهم وعنادهم وقلبهم الحقائق فإن كلامهم هذا يفهم أن الرسول -حاشاه- في غاية الخسة والحقارة وأنه لو كانت الرسالة لغيره لكان أنسب. {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} فهذا الكلام لا يصدر إلا من أجهل الناس وأضلهم، أو من أعظمهم عنادا وهو متجاهل، قصده ترويج ما معه من الباطل بالقدح بالحق وبمن جاء به، وإلا فمن تدبر أحوال محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وجده رجل العالم وهمامهم ومقدمهم في العقل والعلم واللب والرزانة، ومكارم الأخلاق ومحاسن الشيم والعفة والشجاعة والكرم وكل خلق فاضل، وأن المحتقر له والشانئ له قد جمع من السفه والجهل والضلال والتناقض والظلم والعدوان ما لا يجمعه غيره، وحسبه جهلا وضلالا أن يقدح بهذا الرسول العظيم والهمام الكريم.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وبعد هذا الاستعراض السريع يجيء ذكر استهزائهم برسول الله [صلى الله عليه وسلم] وقد سبقه تطاولهم على ربهم، واعتراضهم على طريقة تنزيل القرآن. وسبقه كذلك مشاهدهم المفجعة في يوم الحشر، ومصارع المكذبين أمثالهم في هذه الأرض.. كل أولئك تطييبا لقلب الرسول [صلى الله عليه وسلم] قبل ذكر استهزائهم به وتوقحهم عليها. ثم يعقب عليه بتهديدهم وتحقيرهم وتنزيلهم إلى أحط من درك الحيوان. (وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا. أهذا الذي بعث الله رسولا؟ إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها، وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا. أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا؟ أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون؟ إن هم إلا كالأنعام، بل هم أضل سبيلا).

ولقد كان محمد [صلى الله عليه وسلم] ملء السمع والبصر بين قومه قبل بعثته. فقد كان عندهم ذا مكانة من بيته وهو من ذروة بني هاشم وهم ذروة قريش. وكان عندهم ذا مكانة من خلقه وهو الملقب بينهم بالأمين. ولقد ارتضوا حكومته بينهم في وضع الحجر الأسود قبل البعثة بزمن طويل. ويوم دعاهم على الصفا فسألهم أيصدقونه لو أخبرهم أن خيلا بسفح هذا الجبل قالوا: نعم أنت عندنا غير متهم. ولكنهم بعد البعثة وبعد أن جاءهم بهذا القرآن العظيم راحوا يهزأون به ويقولون: (أهذا الذي بعث الله رسولا؟) وهي قولة ساخرة مستنكرة.. أكان ذلك عن اقتناع منهم بأن شخصه الكريم يستحق منهم هذه السخرية، وأن ما جاءهم به يستحق منهم هذا الاستهزاء؟ كلا. إنما كانت تلك خطة مدبرة من كبراء قريش للتصغير من أثر شخصيته العظيمة ومن أثر هذا القرآن الذي لا يقاوم. وكانت وسيلة من وسائل مقاومة الدعوة الجديدة التي تهددهم في مراكزهم الاجتماعية وأوضاعهم الاقتصادية، وتجردهم من الأوهام والخرافات الاعتقادية التي تقوم عليها تلك المراكز وهذه الأوضاع. ولقد كانوا يعقدون المؤتمرات لتدبير المؤامرات المحبوكة، ويتفقون فيها على مثل هذه الوسيلة وهم يعلمون كذبهم فيها عن يقين...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

كان ما تقدمت حكايته من صنوف أذاهُم الرسولَ عليه الصلاة والسلام أقوالاً في مغيبه، فعُطف عليها في هذه الآية أذى خاص وهو الأذى حين يرونه. وهذا صنف من الأذى تبعثهم إليه مشاهدة الرسول في غير زيّ الكبراء والمترَفين لا يجرّ المطارف ولا يركب النجائب ولا يمشي مرحاً ولا ينظر خُيلاء ويجالس الصالحين ويُعرض عن المشركين، ويرفق بالضعفاء ويواصل الفقراء، وأولئك يستخفون بالخلُق الحسن، لما غلب على آرائهم من أفَن، لذلك لم يخل حاله عندهم من الاستهزاء به إذا رَأوه بأن حاله ليست حال من يختاره الله لرسالته دونَهم، ولا هو أهل لقيادتهم وسياستهم. وهذا الكلام صدر من أبي جهل وأهل ناديه...

والهُزُؤ بضمتين: مصدر هزأ به. وتقدم في قوله: (تعالى) {قالوا أتَتّخِذُنا هُزؤاً} في سورة البقرة (67). والوصف للمبالغة في استهزائهم به حتى كأنه نفس الهُزؤ لأنهم محَّضوه لذلك، وإسناد {يتخذونك} إلى ضمير الجمع للدلالة على أن جماعاتهم يستهزئون به إذا رأوه وهم في مجالسهم ومنتدياتهم. وصيغة الحصر للتشنيع عليهم بأنهم انحصر اتخاذُهم إياه في الاستهزاء به يلازمونه ويدْأبون عليه ولا يخلطون معه شيئاً من تذكر أقواله ودعوته، فالاستثناء من عموم الأحوال المنفية، أي لا يتخذونك في حالة إلا في حالة الاستهزاء.

وجملة {أهذا الذي بعث الله رسولاً} بيان لجملة {إن يتخذونك إلا هزؤاً} لأن الاستهزاء من قبيل القول فكان بيانه بما هو من أقوالهم ومجاذَبتهم الأحاديث بينهم. والاستفهام إنكار لأن يكون بعثَه الله رسولاً. واسم الإشارة مستعمل في الاستصغار كما علمت في أول تفسير هذه الآية.

والمعنى: إنكار أن يكون المشار إليه رسولاً لأن في الإشارة إليه ما يكفي للقطع بانتفاء أنه رسول الله في زعمهم، وقد تقدم قريب من هذه الجملة في قوله تعالى: {وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هُزؤاً أهذا الذي يذكر آلهتكم} في سورة الأنبياء (36)، سوى أن الاستفهام هنالك تعجبي فانظره. قولهم إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها} فالمقصود منه تفاخرهم بتصلبهم في دينهم وأنهم كادوا أن يتبعوا دعوة الرسول بما يلقيه إليهم من الإقناع والإلحاح فكان تَأثر أسماعِهم بأقواله يُوشك بهم أن يرفضوا عبادة الأصنام لولا أنهم تريَّثوا، فكان في الريث أن أفاقوا من غِشاوة أقواله وخلابة استدلاله واستبصروا مرآة فانجلى لهم أنه لا يستأهل أن يكون مبعوثاً من عند الله، فقد جمعوا من كلامهم بين تزييف حجته وتنويه ثباتهم في مقام يَستفز غير الراسخين في الكفر. وهذا الكلام مشوب بفَسادِ الوضع ومؤلف على طرائق الدهماء إذ يتكلمون كما يشتهون ويستبلهون السامعين.

التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :

في هذه الآيات حكاية لموقف وقول آخر من مواقف الكفار وأقوالهم، حيث كانوا يتخذون النبي صلى الله عليه وسلم حينما يرونه موضوع هزء واستخفاف ويتساءلون تساؤل الهازئ المستخفّ قائلين: هل هذا الذي بعثه الله رسولا ثم يأخذون يتفاخرون بما أبدوه من صبر وثبات على عقائدهم ومعبوداتهم وتمسك بتقاليدهم ويقولون: إنه كاد أن يضلّنا عنها لكثرة ما يبذله من جهد ويبديه من نشاط لو لم نبد ما أبديناه من صبر وتمسّك. وقد ردّت عليهم الآيات منذرة منددة مسفّهة. فلسوف يلقون عذاب الله على أقوالهم ومواقفهم ولسوف يعلمون حينئذ من هو الضالّ عن سبيل الحقّ، ثم وجهت الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم متسائلة تساؤل المقرّر عما إذا كان يريد أن يجعل نفسه وكيلا ومسؤولا عمّن اتخذ هواه إلها له وعما إذا كان يظن أن أكثر الكفار يسمعون أو يعقلون، ومقررة أنهم في حالتهم التي هم عليها كالأنعام بل هم أضلّ سبيلا لأن الأنعام تعرف بالغريزة ما يضرّها فتحذره وما ينفعها فتقبل عليه...

ويتبادر من أسلوب الآية الأولى ومضمونها أنها لا تفيد أن الكفار كانوا يحتقرون النبي صلى الله عليه وسلم وينقصون من قدره وأخلاقه، وإنما تقصد تصوير موقفهم الاستخفافي بدعوته. وفيها بالإضافة إلى ذلك قرينة على ما كان يداخلهم من خوف من نحاج دعوته. ودليل على عظم ما بذله النبي صلى الله عليه وسلم من جهد بدون كلل أو فتور وما كان من استغراقه الشديد في الدعوة.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

كيف كانت طريقة الكافرين في الحديث عن الرسول فيما بينهم وبين الناس؟ وكيف كانت نظرتهم إليه؟

إنهم لم يكونوا معقولين في ذلك ولا معتدلين أو واقعيين، بل كانوا يتحركون من موقع الخطّة في الإِيحاء بتهوين شأنه وتحقير موقعه، من أجل أن يبتعد الناس عنه، من خلال نظرة الاستهانة به، عندما يفقدون الاحترام له، ما ينعكس سلباً على النظرة إلى رسالته. ولهذا كانوا يتخذون أسلوب السخرية والاستهزاء به، بطريقةٍ توحي بالضحك بدلاً من الاحترام.

{وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً} من خلال ما يطلقه المستكبرون من إشارات السخرية تجاه من هم دونهم في الموقع الطبقي، ويعملون على استخراج مواقع الهزء، مما يمكن أن يكون مثاراً لذلك، ومما لا يكون كذلك، لأن المسألة عندهم ليست مسألة واقعية الهزء في شخصيته، بل هي مسألة إثارة الجوّ الساخر في أجواء الساحة العامة، ليساهم ذلك في تنفيذ مخططهم في إسقاطه.

{أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً} في إشارة ساخرة توحي باستبعاد ذلك، لتقول للناس بأنه هل من المعقول أن يكون هذا الفقير، اليتيم، الذي لا يملك موقعاً اجتماعياً في الدرجة الطبقية العليا من المجتمع، رسولاً لله؟ ولماذا لا يكون غيره من أصحاب النفوذ المادي والمعنوي في حياة الناس ممن تتناسب الرسالة مع درجته ليكون ذلك أساساً لنفوذها في قناعات الناس الذين يأبون الخضوع في أفكارهم إلا للذين يقدّمون لهم الخضوع في أوضاعهم العامة من خلال امتيازاتهم الطبقية؟

إنهم يشيرون إليه بطريقة تدعو الآخرين إلى الاستغراب والهزء والضحك من هذا الداعية، في هذه الدعوة التي يثيرها أمام الناس، وكأنهم يريدون لهم أن يفهموا أن مجرد النظرة إليه كافية للاستهزاء به من دون ضرورة للدخول في التفصيل، لأن طبيعة النظرة توحي بالفكرة،