المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَإِذۡ يَرۡفَعُ إِبۡرَٰهِـۧمُ ٱلۡقَوَاعِدَ مِنَ ٱلۡبَيۡتِ وَإِسۡمَٰعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلۡ مِنَّآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (127)

127- وإذ يرفع إبراهيم هو وابنه إسماعيل قواعد البيت وهما يدعوان الله : ربنا يا خالقنا وبارئنا تقبل منا هذا العمل الخالص لوجهك ، فأنت السميع لدعائنا العليم بصدق نياتنا{[5]} .


[5]:الكعبة بيت الله الحرام بمكة أقدم الأماكن المقدسة، وكان العرب يحجون إليها قبل الإسلام منذ عهد إبراهيم، والمتواتر في أمر البيت أن إبراهيم وإسماعيل هما أول من رفع قواعده، وقيل: إنه أول بناء بنته الملائكة من أحجار الجنة، ومهما يكن من أمر فالقرآن يؤكد أن الكعبة هي أول بيت مبارك وضع للناس في الأرض كما تقول الآية: {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين * فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا}، وظلت الكعبة على بناء إبراهيم وإسماعيل إلى أن جددها قصي بن كلاب الجد الخامس للنبي العربي محمد (ثم جددت بعد ذلك في العصور الإسلامية غير مرة، وكان آخرها البناء الذي حدث سنة 1040 هجرية الموافق 1630 ميلادية، وهو الذي يطوف به المسلمون الآن.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِذۡ يَرۡفَعُ إِبۡرَٰهِـۧمُ ٱلۡقَوَاعِدَ مِنَ ٱلۡبَيۡتِ وَإِسۡمَٰعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلۡ مِنَّآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (127)

ثم حكى القرآن دعوة ثالثة تضرع بها إبراهيم إلى ربه فقال : { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القواعد مِنَ البيت وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ السميع العليم } .

القواعد : جمع قاعدة ، وهي أساس البناء الموالي للأرض ، وبها يكون ثبات البناء . ورفعها : إبرازها عن الأرض بالبناء عليها . والمراد بالبيت الكعبة .

والتقبل : القبول ، وقبول الله للعمل أن يرضاه أو يثيب عليه .

والمعنى : واذكر يا محمد ما صدر من الرسولين الكريمين إبراهيم وإسماعيل فقد كانا وهما يقومان برفع قواعد الكعبة إلى ويقولان : يا ربنا تقبل منا أقوالنا وأعمالنا ، إنك أنت السميع العليم .

وتصدير الدعاء بندائه - سبحانه - باسم الرب المضاف إلى ضميها مظهر من مظاهر خضوعهما ، وإجلالهما لمقامه ، والخضوع له - سبحانه - وإجلال مقامه من أسنى الآداب التي تجعل الدعاء بمقربة من الاستجابة .

وعبر بالمضارع فقال : { وَإِذْ يَرْفَعُ } مع أن رفع القواعد كان قبل نزول الآية ، وذلك ليخرجه في صورة الحاضر في الواقع لأهميته .

وختما دعاءهما بذكر اسمين من أسمائه الحسنى ، ليؤكدا أن رجاءهما في استجابة دعائهما وثيق ، وأن ما عملاه ابتغاء مرضاته جدير بالقبول . لأن من كان سميعاً عليماً بنيات الداعين وصدق ضمائرهم ، كان تفضله باستجابة دعاء المخلصين في طاعته غير بعيد .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِذۡ يَرۡفَعُ إِبۡرَٰهِـۧمُ ٱلۡقَوَاعِدَ مِنَ ٱلۡبَيۡتِ وَإِسۡمَٰعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلۡ مِنَّآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (127)

{ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }( 127 )

المعنى واذكر إذ ، و { القواعد } جمع قاعدة وهي الأساس ، وقال الفراء : «هي الجدر » .

قال القاضي أبو محمد : وفي هذا تجوز( {[1255]} ) ، والقواعد من النساء جمع قاعد وهي التي قعدت عن الولد وحذفت تاء التأنيث لأنه لا دخول للمذكر فيه ، هذا قول بعض النحاة ، وقد شذ حذفها مع اشتراك المذكر بقولهم ناقة ضامر( {[1256]} ) ، ومذهب الخليل أنه متى حذفت تاء التأنيث زال الجري على الفعل وكان ذلك على النسب .

و { البيت } هنا الكعبة بإجماع ، واختلف بعد( {[1257]} ) رواة القصص : فقيل إن آدم أمر ببنائه ، فبناه ، ثم دثر ودرس حتى دل عليه إبراهيم فرفع قواعده ، وقيل : إن آدم هبط به من الجنة ، وقيل : إنه لما استوحش في الأرض حين نقص طوله وفقد أصوات الملائكة أهبط إليه وهو كالدرة ، وقيل : كالياقوتة ، وقيل : إن البيت كان ربوة حمراء ، وقيل بيضاء ، ومن تحته دحيت الأرض ، وإن إبراهيم ابتدأ بناءه بأمر الله ورفع قواعده .

و الذي يصح من هذا كله أن الله أمر إبراهيم برفع قواعد البيت( {[1258]} ) ، وجائز ِقدمه وجائز أن يكون ذلك ابتداء ، ولا يرجح شيء من ذلك إلا بسند يقطع العذر ، وقال عبيد بن عمير( {[1259]} ) : رفعها إبراهيم وإسماعيل معاً ، وقال ابن عباس : رفعها إبراهيم ، وإسماعيل يناوله الحجارة ، وقال علي بن أبي طالب : رفعها إبراهيم ، وإسماعيل طفل صغير .

قال القاضي أبو محمد : ولا يصح هذا عن علي رضي الله عنه ، لأن الآية والآثار تردهُ ، { وإسماعيل } عطف على { إبراهيم } ، وقيل هو مقطوع على الابتداء وخبره فيما بعد ، قال الماوردي : { إسماعيل } أصله اسمع يا إيل .

قال القاضي أبو محمد وهذا ضعيف ، وتقدير الكلام : يقولان ربنا تقبل ، وهي في قراءة أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود كذلك بثبوت «يقولان » ، وقالت فرقة : التقدير وإسماعيل يقول ربنا ، وحذف لدلالة الظاهر عليه ، وكل هذا يدل على أن إسماعيل لم يكن طفلاً في ذلك الوقت ، وخصّا هاتين الصفتين لتناسبهما مع حالهما ، أي { السميع } لدعائنا و { العليم } بنياتنا .


[1255]:- لأن رفع القواعد معناه رفع البناء فوقها لا رفعها في نفسها، ولكن لما كانت متصلة بالبناء المرتفع كان ذلك بمثابة رفعها. والمضارع بحكي الحال الماضية استحضارا لصورتها العجيبة.
[1256]:- يقال: جمل ضامر وناقة ضامر وضامرة، والجمع ضمر وضوامر، والضمور الهزال، وإذا حذفت التاء من الوصف المشترك فالكلام لا يجري على الفعل وإنما يجري على النسب كما قاله الخليل رحمه الله.
[1257]:- أي أنه بعد الإجماع على أن المراد بالبيت هو، الكعبة اختلف رواة القصص في أولية البيت.
[1258]:- الأمر لإبراهيم ببناء البيت رواه الإمام البخاري في صحيحه من طريقين عن ابن عباس في كتاب الأنبياء.
[1259]:- هو عبيد بن عمير بن قتادة أبو عاصم المكي من كبار التابعين، وقيل: إنه صحابي، قال الحافظ السيوطي: وابن عمير من مجاهد أجـــل كذاك من طاوس الحبر البدل  أقدم عـــهـــدا وأجـــل رتــبة فإنه تـــعــزى إليه صحــبــة  ففي زمان المصطفى قد ولدا وقال قـــوم بــلـــقاه ســــعدا  بمكة قد قضى في عهد عمر وذاك أول امرئ به ابتكر  والبدل القائم بحجة الله. وكان أول قاض بمكة على عهد عمر رضي الله عنه، توفي سنة 64هـ.