" إذ " عطف على " إذ " قبلها ، فالكلام فيهما واحد .
و " يرفع " في معنى رفع ماضياً ؛ لأنها من الأدوات المخلصة المضارع للمضي .
وقال الزمخشري : " هي حكاية حال ماضية " قال أبو حيان : وفيه نظر .
و " القواعد " جمع قاعدة ، وهي الأساس والأصل لما فوق ، وهي صفة غالبة ، ومعناها الثابتة ، ومنه " قَعَّدَك الله " أي : أسأل الله تثبيتك ، ومعنى رَفْعِها البناءُ عليها ؛ لأنه إذا بني عليها نقلت من هيئة الانخفاض إلى الارتفاع .
وأما القواعد من النِّسَاء فمفردها " قاعد " من غير تاء ؛ لأن المذكر لا حظَّ له فيها إذ هي من : قَعَدَتْ عن الزوج .
ولم يقل " قواعد البيت " ، بالإضافة لما في البيان بعد الإبهام من تفخيم شأن المبين .
[ فصل في مشاركة إسماعيل في رفع القواعد
الأكثرون على أن البيت كان موجوداً قبل إبراهيم عليه الصلاة والسلام واختلفوا هل كان إسماعيل شريكاً له في رفع القواعد ؟
فالأكثرون على أنه كان شريكاً له ؛ للعطف عليه .
وروي عن علي رضي الله عنه أنه لما بنى البيت خرج وخلف إسماعيل وهاجر .
قال : إلى الله تعالى ، فعطش إسماعيل ولم ير الماء ، فناداه جبريل أن اضرب الأرض بأصبعك ، فضربها بأصبعه ، فنبع زمزم . وهذا ضعيف ؛ وذلك لقوله تعالى : { رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا } وهذا يوجب صرفه إلى المذكور السابق : وهو رفع القواعد ] .
يروى أن الله تبارك وتعالى خلق موضع البيت قبل الأرض بألفي عام ، وكانت زبدة بيضاء على الماء ، وأنزل الله البيت المعمور من ياقوتة من يواقيت الجنة له بابان من زُمُرّد أخضر ، وأنزل الله الحجر ، وكان أبيض فاسود من لمس الحيض في الجاهلية ، وأمر الله تعالى آدم عليه الصلاة والسلام أن يحج إليه ، ويطوف به .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : حج آدم صلوات الله وسلامه عليه أربعين حجّة من " الهند " إلى " مكة " ماشياً ، وكان ذلك إلى أيام الطوفان ، فرفعه الله تعالى إلى السماء الرابعة ، وبعث جبريل عليه الصلاة والسلام حتى خبأ الحجر الأسود في جبل أبي قبيس ، وكان موضع البيت خالياً إلى زمن إبراهيم عليه الصلاة والسلام ثم أمر الله تعالى إبراهيم- عليه الصلاة والسلام بعد ما ولد إسماعيل عليه الصلاة والسلام ببناء البيت ، فسأل الله تعالى أن يبين له موضعه ، فبعث الله السّكينة ليدله على موضع البيت ، فتبعها حتى أتيا " مكة " ، هذا قول علي رضي الله تعالى عنه .
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : بعث الله سحابة على قدر الكَعْبة ، وذهب إبراهيم عليه الصلاة والسلام في ظلها إلى أن وافت " مكة " فوقعت على موضع البيت ، فنودي منها يا إبراهيم ابْنِ على ظلها ولا تزد ولا تنقص .
[ وقيل : أرسل الله جبريل عليه الصلاة والسلام ليدله على موضع البيت قال ابن عباس رضي الله عنهما : بُنِي البيت من خمسة أجبل : طور سيناء ، وطور زيتا ، ولبنان جبال بالشام ، والجودي : جبل بالجزيرة وقواعده من حراء جبل بمكة المشرفة ، فلما انتهى لموضع الحجر قال لإسماعيل عليه الصلاة والسلام يطلبه فصاح أبو قُبيس : يا إبراهيم إنّ لك عندي وديعة فخذها ، فأخذ الحجر الأسود ، فوضعه مكانه .
وقيل : إن الله تبارك وتعالى بنى البيت المعمور في السماء ، وسمي " صراح " ، وأمر الملائكة أن يبنوا الكعبة في الأرض بحياله على قدره وبقية الكلام على البيت يأتي في سورة " الحج " إن شاء الله تعالى والله أعلم ] .
قوله : " من البيت " فيه وجهان :
أحدهما : أنه متعلّق ب " يرفع " ومعناها ابتداء الغاية .
والثاني : أنها في محل نصب على الحال من " القواعد " ، فيتعلّق بمحذوف تقديره : كائنة في البيت ، ويكون معنى " من " التبعيض [ روى ابن كثير رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما ، " أن القواعد حجارة كأسنمة البخت بعضها من بعض ، وحكى عن رجل من قريش ممن كان يهدمها أدخل عتلة بين حجرين منها ؛ ليخرج بها أحدهما ، فتحركا تحرك الرجل ، فانتفضت مكة بأسرها ، فانتهوا عن ذلك الأساس " .
وقيل : أبصر القوم برقة ، كادت تخطف بصر الرجل فبرأ الرجل من يده ، فوقع في موضعه ، فتركوه ورجعوا إلى بنيانهم ] .
قوله : " وَإٍسْمَاعِيلُ " فيه قولان :
أحدهما : وهو الظاهر أنه عطف على " إبراهيم " ، فيكون فاعلاً مشاركاً له في الرفع ، ويكون قوله : { رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا } في محلّ نصب بإضمار القول ، ذلك القول في محل نصب على الحال منهما ، أي : يرفعان يقولان : ربنا تقبل ، ويؤيد هذا قراءة عبد الله بإظهار فعل القول ، قرأ : " يَقُولاَنِ : رَبَّنَا تَقَبَّلْ " أي : قائلين ذلك ، ويجوز ألا يكون هذا القول حالاً ، بل هو جملة معطوفة على ما قبلها ، ويكون هو العامل في " إذ " قبله ، والتقدير : يقولان : ربنا تقبل إذ يرفعان ، أي : وقت رفعهما .
والثَّاني : الواو [ واو الحال ] ، و " إسماعيل " مبتدأ وخبره قول محذوف هو العامل في قوله : " رَبَّنَا تَقَبَّلْ " فيكون إبراهيم هو الرَّافع ، وإسماعيل هو الدَّاعي فقط ، قالوا : لأن إسماعيل كان حينئذ طفلاً صغيراً ، ورَوَوْه عن علي رضي الله عنه والتقدير إذ يرفع إبراهيم حال كون إسماعيل يقول : ربنا تقبل منّا .
وفي المجيء بلفظ " الرب " جل وعز تنبيه بذكر هذه الصفة على التربية والإصلاح .
و " تقبّل " بمعنى " اقبل " ، ف " تَفَعَّلْ " هنا بمعنى المجرد .
وتقدم الكلام على نحو " إنك أنت السميع " من كون " أنت " يجوز فيه التأكيد والابتداء والفَصْل . وتقدمت صفة السَّمع ، وإن كان سؤال التقبل متأخراً عن العمل للمجاورة ، كقوله تعالى : { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ } [ آل عمران : 106 ] وتأخرت صفة العلم ، لأنها فاصلة ، ولأنها تشمل المسموعات وغيرها .
[ فإن قيل : قوله : { إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } يفيد الحصر ، وليس الأمر كذلك ، فإن غيره قد يكون سميعاً .
فالجواب أنه تعالى لكماله في هذه الصفة كأنه هو المختص بها دون غيره ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.