القواعد : قال الكسائي والفراء : هي الجدر ، وقال أبو عبيدة : الأساس ، قال :
في ذروة من بقاع أولهم *** زانت عواليها قواعدها
وبالأساس فسرها ابن عطية أولاً والزمخشري وقال : هي صفة غالبة ، ومعناها الثانية ، ومنه قعدك الله ، أي أسأل الله أن يقعدك ، أي يثبتك .
والقواعد من النساء جمع قاعد ، وهي التي قعدت عن الولد ، وسيأتي الكلام على كون قاعد لم تأت بالتاء في مكانه ، إن شاء الله تعالى .
{ وإذ يرفع إبراهيم } : هذه الجملة معطوفة على ما قبلها ، فالعامل في إذ ما ذكر أنه العامل في إذ قبلها .
ويرفع في معنى رفع ، وإذ من الأدوات المخلصة للمضارع إلى الماضي ، لأنها ظرف لما مضى من الزمان .
وقال الزمخشري : هي حكاية حال ماضية ، وفي ذلك نظر .
ذكر المفسرون في ماهية هذا البيت وقدمه وحدوثه ، ومن أي شيء كان باباه ، وكم مرة حجة آدم ، ومن أي شيء بناه إبراهيم ، ومن ساعده على البناء ، قصصاً كثيرة .
واستطردوا من ذلك للكلام في البيت المعمور ، وفي طول آدم ، والصلع الذي عرض له ولولده ، وفي الحجر الأسود ، وطولوا في ذلك بأشياء لم يتضمنها القرآن ولا الحديث الصحيح .
وبعضها يناقض بعضاً ، وذلك على جري عاداتهم في نقل ما دب وما درج .
ولا ينبغي أن يعتمد إلا على ما صح في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال ابن عطية : والذي يصح من هذا كله أن الله أمر إبراهيم برفع القواعد من البيت ونشاحه في قوله : أمر ، إذ لم يأت النص بأن الله أمر بذلك .
{ القواعد } : تقدّم تفسيرها في الكلام على المفردات ، وهل هي الأساس أو الجدر ؟ فإن كانت الأساس ، فرفعها بأن يبني عليها ، فتنتقل من هيئة الانخفاض إلى هيئة الارتفاع ، وتتطاول بعد التقاصر .
قال الزمخشري : ويجوز أن يكون المراد بها ساقات البناء ، ويجوز أن يكون المعنى ما قعد من البيت ، أي استوطىء ، يعني جعل هيئة القاعدة المستوطأة مرتفعة عالية بالبناء .
{ من البيت } : يحتمل أن يكون متعلقاً بيرفع ، ويحتمل أن يكون في موضع الحال من القواعد ، فيتعلق بمحذوف تقديره : كائنة من البيت .
ولم تضف القواعد إلى البيت ، فكان يكون الكلام قواعد البيت ، لما في عدم الإضافة من الإيضاح بعد الإبهام وتفخيم شأن المبين .
{ وإسماعيل } : معطوف على إبراهيم ، فهما مشتركان في الرفع .
قيل : كان إبراهيم يبني وإسماعيل يناوله الحجارة .
وقال عبيد بن عمير : رفع إبراهيم وإسماعيل معاً ، وهذا ظاهر القرآن .
وروي عن ابن عباس أن إسماعيل طفل صغير إذ ذاك ، كان يناوله الحجارة .
وروي عن علي : أن إسماعيل كان إذ ذاك طفلاً صغيراً ، ولا يصح ذلك عن عليّ .
ومن جعل الواو في وإسماعيل واو الحال ، أعرب إسماعيل مبتدأ وأضمر الخبر ، التقدير : وإسماعيل يقول : ربنا تقبل منا ، فيكون إبراهيم مختصاً بالبناء ، وإسماعيل مختصاً بالدعاء .
ومن ذهب إلى العطف ، جعل ربنا تقبل منا معمولاً لقول محذوف عائد على إبراهيم وإسماعيل معاً ، في موضع نصب على الحال تقديره : وإذ يرفعان القواعد قائلين ربنا تقبل منا .
ويؤيد هذا التأويل أن العطف في وإسماعيل أظهر من أن تكون الواو واو الحال .
وقراءة أبي وعبد الله يقولان بإظهار هذه الجملة ، ويجوز أن يكون القول المحذوف هو العامل في إذ ، فلا يكون في موضع الحال ، والمعنى : أنهما دعوا بذلك الدعاء وقت أن شرعا في رفع القواعد ، وفي ندائهما بلفظ ربنا تلطف واستعطاف بذكر هذه الصفة الدالة على التربية والإصلاح بحال الداعي .
{ ربنا تقبل منا } : أي أعمالنا التي قصدنا بها طاعتك ، وتقبل بمعنى : اقبل ، فتفعل هنا بمعنى المجرد كقولهم : تعدّى الشيء وعداه ، وهو أحد المعاني التي جاء لها تفعل .
والمراد بالتقبل : الإثابة ، عبر بإحدى المتلازمين عن الآخر ، لأن التقبل هو أن يقبل الرجل من الرجل ما يهدي إليه .
فشبه الفعل من العبد بالعطية ، والرضا من الله تعالى بالتقبل توسعاً .
وحكى بعض المفسرين عن بعض الناس فرقاً بين القبول والتقبل ، قال : التقبل تكلف القبول ، وذلك حيث يكون العمل ناقصاً لا يستحق أن يقبل ، قال : فهذا اعتراف من إبراهيم وإسماعيل بالتقصير في العمل .
ولم يكن المقصود إعطاء الثواب ، لأن كون الفعل واقعاً موقع القبول من المخدوم ، ألذ عند الخادم العاقل من إعطاء الثواب عليه ، وسؤالهما التقبل بذلك ، على أن ترتيب الثواب على العمل ليس واجباً على الله تعالى ، انتهى ملخصاً .
ونقول : إن التقبل والقبول سواء بالنسبة إلى الله تعالى ، إذ لا يمكن تعقل التكليف بالنسبة إليه تعالى .
وقد قدمنا أن تفعل هنا موافق للفعل المجرد الذي هو قبل .
{ إنك أنت السميع العليم } : يجوز في أنت الابتداء والفصل والتأكيد .
وقد تقدّم الكلام في الفصل وفائدته ، وهو من المسائل التي جمعت فيها الكلام في نحو من سبعة أوراق أحكاماً دون استدلال .
وهاتان الصفتان مناسبتان هنا غاية التناسب ، إذ صدر منهما عمل وتضرع سؤال ، فهو السميع لضراعتهما وتسآلهما التقبل ، وهو العليم بنياتهما في إخلاص عملهما .
وتقدّمت صفة السمع ، وإن كان سؤال التقبل متأخراً عن العمل للمجاورة نحو قوله : { يوم تبيض وجوه وتسود وجوه } فأما الذين اسودت وتأخرت صفة العليم لكونها فاصلة ولعمومها ، إذ يشمل علم المسموعات وغير المسموعات .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.