فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَإِذۡ يَرۡفَعُ إِبۡرَٰهِـۧمُ ٱلۡقَوَاعِدَ مِنَ ٱلۡبَيۡتِ وَإِسۡمَٰعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلۡ مِنَّآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (127)

{ يرفع } يعلي ويبني . { القواعد } الأساس ؛ ورفعها : رفع ما هو مبنى فوقها .

{ وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل } لكأن المعني : واذكر وقت رفع إبراهيم البيت أساس البيت الحرام{[452]} أول بيت وضع للناس ، بناه وأعلى بناءه معه ولد إسماعيل عليهما السلام ويمكن أن يكون هذا القول الكريم قد عطف قول المولى سبحانه { وإذ قال إبراهيم } وجاء بصيغة المضارع مع أن الرفع قد مضى استحضارا لهذا الأمر [ ليقتدي الناس به في إتيان الطاعات الشاقة مع الابتهال في قبولها وليعلموا عظمة البيت المبني فيعظموه ]{[453]} ؛ -ورفع القواعد ورفع ما هو مبنى فوقها _ ورفع القواعد صريح فيما ذهب إليه الأكثرون من أن القواعد كانت موجودة وأن إبراهيم عمرها ورفعها ، . . . . . وإنما لم يقل : قواعد البيت ليكون الكلام مبنيا على تبيين بعد إبهام ، ففيه تفخيم لشأن االمبين-{[454]} ؛ ومما أورد صاحب جامع البيان : وجائز أن يكون ذلك قواعد بيت كان أهبطه مع آدام فجعله مكان البيت الحرام الذي بمكة ، وجائز أن يكون ذلك أن القبة التي ذكرها عطاء مما أنشأه الله من زبد الماء ، وجائز أن يكون ياقوتة أو درة أهبطها من السماء ، وجائز أن يكون كان آدم بناه ثم انهدم حتى رفع قواعده إبراهيم وإسماعيل ، ولا علم عندنا بأي ذلك كان من أي ، لان حقيقة ذلك لا تدرك إلا بخبر عن رسوله بالنقل المستفيض ، ولا خبر بذلك تقوم به الحجة فيجب التسليم لها ، ولا هو إذ لم يكن به خبر على ما وصفنا مما يدل عليه بالاستدلال والمقاييس فيمثل بغيره ، ويستنبط علمه من جهة الاجتهاد . . . . اه . { ربا تقبل منا } وإبراهيم وإسماعيل إذ يبنيان البيت يقولان : يا ربنا تقبل عملنا هذا الذي نعمل طاعة لأمرك ، ووفاء بعهدك ؛ [ وفي سؤال الثواب على العمل دليل على أن ترتبه عليه ليس واجبا ، وإلا لم يطلب ]{[455]} _ . . . وقبول الله عمل العبد عبارة عن كون العمل بحيث يرضاه الله تعالى أو يثيب عليه . . . شبه الفعل من العبد بالهدية ، وإثابة الله تعالى عليه ورضاه بالقبول {[456]}_ { إنك أنت السميع العليم } إنك يا مولانا _ أنت السميع العليم دعاءنا ومسألتنا إياك قبول ما سألناك قبوله منا من طاعتك في بناء بيتك الذي أمرتنا ببنائه .

{ العليم } بما في ضمائر نفوسنا من الإذعان لك في الطاعة والمصير إلى ما فيه لك الرضا والمحبة وما نبدي ونخفي من أعمالنا {[457]}_ .


[452]:وأورد صاحب البيان في أحكام القرآن آثارا في بناء الكعبة أكثرها لم يبلغ آثار الصحة ولعل ذلك ونحوه مما حمل صاحب روح المعاني على أن يقول وقد ذكر صاحب الأخبار ماهية هذا البيت وقدمه وحدوثه ومن أي شئ كان باباه وكم مرة حجه آدم ومن أين بناه إبراهيم ومن ساعده على بناءه ومن أين أتى بالحجر الأسود ؟؟؟ أشياء لم يتضمنها القرآن العظيم ولا الحديث الصحيح وبعضها يناقض بعضا وذلك على عاداتهم في نقل ما دب ودرج لكن صاحب تفسير القرآن العظيم أورد بحثا يزيد على ثمان صفحات وتزيد كلماتها على خمسة آلاف كلمة في تحريم مكة وفضلها وتفجر الماء من بئر زمزم وبناء البيت العتيق واستشهد بأحاديث صحيحة ومما روى البخاري عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل اتخذت منطقا لتعفي أثرها على سارة ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعها البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء فوضعهما هنالك ووضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء ثم قفى إبراهيم منطلقا فتبعته أم إسماعيل فقالت: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولا شيء فقالت له ذلك مرارا وجعل لا يلتفت إليها فقالت الله أمرك بهذا قال نعم قالت إذا لا يضيعنا ثم رجعت فانطلق إبراهيم حتى كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعى بهذه الدعوات ورفع يده فقال {ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم} حتى بلغ {يشكرون} وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء حتى إذا ما نفذ ما في السقاط عطشت وعطش ابنها وجعلت تنظر إليه يتلوى أو قال يتلبط فانطلقت كراهية أن تنظر إليه فوجدت الصفا أقرب جبلا في الأرض يليها فقامت عليه ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا فلم تر أحدا فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت المروة فقامت عليها فنظرت هل ترى أحدا فلم ترى أحدا ففعلت ذلك سبع مرات قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم " فذلك سعي الناس بينهما فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا فقالت صه –تريد نفسها- ثم تسمعت فسمعت أيضا، فقالت قد سمعت إن كان عندك غواث فإذا هي بالملك عند موضع زمزم فبحث بعقبه أو قال بجناحه حتى ظهر الماء فجعلت تحوطه وتقول بيدها هكذا وجعلت تغرف من الماء في سقاتها وهو يفور بعدما تغرف. قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم ' يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم –أو قال لو لم تغرف من الماء- لكانت زمزم عينا معينا " قال فشربت وأرضعت ولدها فقال لها الملك لا تخافي الضيعة فإن ههنا بيتا لله يبينه هذا الغلام وأبوه وإن الله لا يضيع أهله وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وشماله فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم أو أهل بيت من جرهم مقبلين من طريق كداء فنزلوا في أسفل مكة فرأو طائرا عائفا فقالوا إن هذا الطائر ليدور على ماء لعهدنا بهذا الوادي وما فيه من ماء فأرسلوا جريا أو جريين -أي رسولا أو رسولين وقد يراد الوكيل والخادم- فإذا هم بالماء فأقبلوا، قال: وأم إسماعيل عند الماء فقالوا أتأذنين لنا أن ننزل عندك قالت نعم ولكن لا حق لكم في الماء قالوا نعم قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم {فألفى ذلك أم إسماعيل وهي تحب الأنس} فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم وشب الغلام وتعلم العربية منهم وماتت أم إسماعيل فجاء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل يطالع تركته فلم يجد إسماعيل فسأل امرأته عنه فقالت خرج يبتغي لنا ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت نحن بشر نحن في ضيق وشدة فشكت إليه قال إذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام وقولي له يغير عتبة بابه فلما جاء إسماعيل فكأنه أنس شيئا فقال هل جاءكم من أحد قالت نعم جاءنا شيخ كذا وكذا فسألنا عنك فأخبرته فسألني كيف عشنا فأخبرته أننا في جهد وشدة قال فهل أوصاك بشئ قال نعم أمرني أن أقرأ عليك السلام ويقول غير عتبة بابك قال ذلك أبي وقد أمرني أن أفارقك فالحقي بأهلك وطلقها وتزوج منهم بأخرى فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله ثم آتاهم بعد فلم يجده فدخل على امرته فسألها عنه فقالت خرج يبتغي لنا قال كيف أنتم فسألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت نحن بخير وسعة وأثنت على الله عز وجل ما طعامكم فقالت اللحم فقال ما شرابكم قالت الماء قال اللهم بارك لهم في اللحم والماء قال النبي صلى الله عليه وسلم {ولم يكن لهم يومئذ حب ولو كان لهم لدعا لهم فيه} قال فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه. قال فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام فمريه يثبت عتبة بابه فلما جاء إسماعيل قال هل أتاكم من أحد قالت نعم أتانا شيخ حسن الهيئة وأثنت عليه فسألني عنك فأخبرته فسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا بخير قال فأوصاك بشئ قالت نعم هو يقرأ عليك السلام ويأمرك أن تثبت عتبة بيتك قال ذاك أبي وأنت العتبة أمرني أن أمسكك ثم لبث عنهم ما شاء الله تعالى ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلا له تحت دوحة قريبا من زمزم فلما رآه قام إليه وصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد ثم قال يا إسماعيل إن الله أمرني بأمر قال فاصنع ما أمرك به ربك قال وتعينني قال وأعينك قال فإن الله أمرني أن أبني ههنا بيتا وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها قال فعند ذلك رفعا القواعد من البيت فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له فقام عليه وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة وهما يقولان {ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم} قال فجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت وهما يقولان {ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم} وأما قصة سيدنا إسماعيل فقد أورد بعضهم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال {لم يكذب إبراهيم عليه السلام قط إلا ثلاث كذبات اثنتين في ذات الله قوله {.. إني سقيم} وقوله {بل فعله كبيرهم هذا..} وواحدة شأن سارة فإنه قدم أرض جبار ومعه سارة وكانت أحسن الناس فقال لها إن هذا الجبار إن يعلم أنك امرأتي يغلبني
[453]:ما بين العلامتين[] من روح المعاني.
[454]:ما بين العارضتين من تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان.
[455]:ما بين العلامتين [] مما جاء في روح المعاني.
[456]:ما بين العارضتين مما أورد صاحب تفسير غرائب القرآن.
[457]:ما بين العارضتين من جامع البيان في تفسير القرآن للطبري.