ثم حكى - سبحانه - عنهم ما قالوه عند اقترابهم من السماء ، طلبا لمعرفة أخبارها .
. قبل أن يؤمنوا فقال : { وَأَنَّا لَمَسْنَا السمآء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً . وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الآن يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً } .
وقوله : { لَمَسْنَا } من اللمس ، وحقيقته الجس واليد ، واستعير هنا ، لطلب أخبار السماء ، لأن الماس للشئ فى العادة ، إنما يفعل ذلك طلبا لاختباره ومعرفته .
والحرس : اسم جمع للحراس ، كخدم وكخدام ، والشهب : جمع شهاب ، وهو القطعة التى تنفصل عن بعض النجوم ، فتسقط فى الجو أو على الأرض أو فى البحر .
أى : وأنا طلبنا أخباء السماء كما هى عادتنا قبل أن نؤمن { فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً } أى : فوجدناها قد امتلأت بالحراس الأشداء من الملائكة الذين يحرسونها من استراق السمع . . كما أنا قد وجدناها قد امتلأت بالشهب التى تنقض على مسترقى السمع فتحرقهم .
وقولهم { وأنا لمسنا } قال معناه التمسنا ويظهر بمقتضى كلام العرب أنها استعارة لتجربتهم أمرها وتعرضهم لها فسمي ذلك لمساً إذ كان اللمس غاية غرضهم ونحو هذا قول المتنبي : [ الطويل ]
تعد القرى والمس بنا الجيش لمسة*** نبادرْ إلى ما تشتهي يدك اليمنى{[11366]}
فعبر عن صدم الجيش بالجيش وحربه باللمس ، وهذا كما تقول المس فلاناً في أمر كذا ، أي جرب مذهبه فيه ، و { ملئت } إما أن يكون في موضع المفعول الثاني ل «وجدنا » ، وإما أن يقصر الفعل على مفعول واحد ويكون { ملئت } في موضع الحال ، وكان الأعرج يقرأ «مليت » لا يهمز ، والشهب : كواكب الرجم ، والحرس : يحتمل أن يريد الرمي بالشهب . وكرر المعنى بلفظ مختلف ، ويحتمل أن يريد الملائكة .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
وقالت الجن: {وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا} من الملائكة {وشهبا} من الكواكب.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"وإنّا لَمَسْنا السّماءَ" يقول عزّ وجلّ مخبرا عن قيل هؤلاء النفر: وأنا طلبنا السماء وأردناها،
"فَوَجَدْناها مُلِئَتْ": فوجدناها ملئت "حَرَسا شَدِيدا" يعني حَفَظَة "وشُهُبا"، وهي جمع شهاب، وهي النجوم التي كانت تُرجم بها الشياطين.
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
{وأنا لَمسْنا السّماءَ} فيه وجهان:
الثاني: قاربنا السماء، فإن الملموس مقارَب.
{فوَجدْناها مُلئتْ حَرَساً شديداً} هم الملائكة الغلاظ الشداد. {وشُهُباً} جمع شهاب وهو انقضاض الكواكب المحرقة لهم عند استراق السمع.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{وأنا لمسنا} معناه التمسنا، ويظهر بمقتضى كلام العرب أنها استعارة لتجربتهم أمرها وتعرضهم لها، فسمي ذلك لمساً إذ كان اللمس غاية غرضهم.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
يخبر تعالى عن الجن حين بعث الله رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه القرآن، وكان من حفظه له أن السماء مُلئَت حرسا شديدًا، وحفظت من سائر أرجائها، وطردت الشياطين عن مقاعدها التي كانت تقعد فيها قبل ذلك؛ لئلا يسترقوا شيئا من القرآن. فيلقوه على ألسنة الكهنة، فيلتبس الأمر ويختلط ولا يدرى من الصادق. وهذا- من لطف الله بخلقه ورحمته بعباده، وحفظه لكتابه العزيز، ولهذا قال الجن: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا}.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ويمضي الجن في حكاية ما لقوه وما عرفوه من شأن هذه الرسالة في جنبات الكون، وفي أرجاء الوجود، وفي أحوال السماء والأرض، لينفضوا أيديهم من كل محاولة لا تتفق مع إرادة الله بهذه الرسالة، ومن كل ادعاء بمعرفة الغيب، ومن كل قدرة على شيء من هذا الأمر.
وهذا النفر من الجن يقول: إن استراق السمع لم يعد ممكنا، وإنهم حين حاولوه الآن -وهو ما يعبرون عنه بلمس السماء- وجدوا الطريق إليه محروسا بحرس شديد، يرجمهم بالشهب، فتنقض عليهم وتقتل من توجه إليه منهم. ويعلنون أنهم لا يدرون شيئا عن الغيب المقدر للبشر: (وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا).. فهذا الغيب موكول لعلم الله لا يعلمه سواه. فأما نحن فلا نعلم ماذا قدر الله لعباده في الأرض: قدر أن ينزل بهم الشر. فهم متروكون للضلال، أم قدر لهم الرشد -وهو الهداية- وقد جعلوها مقابلة للشر. فهي الخير، وعاقبتها هي الخير. وإذا كان المصدر الذي يزعم الكهان أنهم يستقون منه معلوماتهم عن الغيب، يقرر أنه هو لا يدري عن ذلك شيئا، فقد انقطع كل قول، وبطل كل زعم، وانتهى أمر الكهانة والعرافة. وتمحض الغيب لله، لا يجترئ أحد على القول بمعرفته، ولا على التنبؤ به. وأعلن القرآن تحرير العقل البشري من كل وهم وكل زعم من هذا القبيل! وأعلن رشد البشرية منذ ذلك اليوم وتحررها من الخرافات والأساطير! وهذا النفر من الجن يقول: إن استراق السمع لم يعد ممكنا، وإنهم حين حاولوه الآن -وهو ما يعبرون عنه بلمس السماء- وجدوا الطريق إليه محروسا بحرس شديد، يرجمهم بالشهب، فتنقض عليهم وتقتل من توجه إليه منهم. ويعلنون أنهم لا يدرون شيئا عن الغيب المقدر للبشر: (وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا).. فهذا الغيب موكول لعلم الله لا يعلمه سواه. فأما نحن فلا نعلم ماذا قدر الله لعباده في الأرض: قدر أن ينزل بهم الشر. فهم متروكون للضلال، أم قدر لهم الرشد -وهو الهداية- وقد جعلوها مقابلة للشر. فهي الخير، وعاقبتها هي الخير. وإذا كان المصدر الذي يزعم الكهان أنهم يستقون منه معلوماتهم عن الغيب، يقرر أنه هو لا يدري عن ذلك شيئا، فقد انقطع كل قول، وبطل كل زعم، وانتهى أمر الكهانة والعرافة. وتمحض الغيب لله، لا يجترئ أحد على القول بمعرفته، ولا على التنبؤ به. وأعلن القرآن تحرير العقل البشري من كل وهم وكل زعم من هذا القبيل! وأعلن رشد البشرية منذ ذلك اليوم وتحررها من الخرافات والأساطير!
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.