ثم بين - سبحانه - بأبلغ أسلوب ، أن السر يتساوى مع العلانية بالنسبة لعلمه - تعالى - فقال : { وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ اجهروا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور . . . } .
وقد ذكروا فى سبب نزول هذه الآية ، أن المشركين كانوا ينالون من النبى صلى الله عليه وسلم فلما أطلعه الله - تعالى - على أمرهم ، فقال بعضهم لبعض : أسروا قولكم كي لا يسمعه رب محمد . .
وصيغة الأمر في قوله : { وَأَسِرُّواْ } و { اجهروا } مستعملة في التسوية بين الأمرين ، كما في قوله - تعالى - { فاصبروا أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ . . . }
أي : إن إسراركم - أيها الكافرون - بالإِساءة إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم - أو جهركم بهذه الإِساءة ، يستويان في علمنا ، لأننا لا يخفى علينا شئ من أحوالكم ، فسواء عندنا من أسر منكم القول ومن جهر به .
وجملة { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور } تعليق للتسوية المستفادة من صيغة الأمر ، أي : سواء في علمه - تعالى- إسراركم وجهركم ، لأنه - سبحانه - عليم علما تاما بما يختلج في صدوركم ، وما يدور في نياتكم التي هي بداخل قلوبكم .
وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوريد }
وقوله : وأسِرّوا قَوْلَكُمْ أو اجْهَرُوا بِه ، ِ يقول جلّ ثناؤه : وأخفوا قولكم وكلامكم أيها الناس أو أعلنوه وأظهروه ، إنّهُ عَلِيمٌ بذَاتِ الصّدُورِ ، يقول : إنه ذو علم بضمائر الصدور التي لم يُتَكَلّم بها ، فكيف بما نطق به وتكلم به ، أخفى ذلك أو أعلن ، لأن من لم تخف عليه ضمائر الصدور ، فغيرها أحرى أن لا يخفي عليه .
عطف على الجمل السابقة عطف غرض على غرض ، وهو انتقال إلى غرض آخر لِمناسبة حكاية أقوالهم في الآخرة بذكر أقوالهم في الدنيا وهي الأقوال التي كانت تصدر منهم بالنيل من رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان الله يطلعه على أقوالهم فيخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنكم قلتم كذا وكذا ، فقال بعضهم لبعض : أسروا قولكم كيلا يسمعه رب محمد فأنزل الله { وأسروا قولكم أو اجهروا به } كذا روي عن ابن عباس .
وصيغة الأمر في { وأسروا } و { اجهروا } مستعملة في التسوية كقوله تعالى : { فاصبروا أو لا تصبروا } [ الطور : 16 ] ، وهذا غالب أحوال صيغة افعل إذا جاءت معها { أو } عاطفة نقيض أحد الفعلين على نقيضه .
فقوله : { إنه عليم بذات الصدور } تعليل للتسوية المستفادة من صيغة الأمر بقرينة المقام وسبب النزول ، أي فسواء في علم الله الإِسرار والإِجهار لأن علمه محيط بما يختلج في صدور الناس بَلْهَ ما يسرون به من الكلام ، ولذلك جيء بوصف عليم إذ العليم من أمثلة المبالغة وهو القويّ علمُه .
وضمير { إنه } عائد إلى الله تعالى المعلوم من المقام ، ولا معاد في الكلام يعود إليه الضمير ، لأن الاسم الذي في جملة { إن الذين يخشون ربهم بالغيب } [ الملك : 12 ] لا يكون معاداً لكلام آخر .
و ( ذات الصدور ) مَا يتردد في النفس من الخواطر والتقادير والنوايا على الأعمال . وهو مركب من ( ذات ) التي هي مؤنث ( ذُو ) بمعنى صاحب ، و { الصدور } بمعنى العقول وشأن ( ذُو ) أن يضاف إلى ما فيه رفعة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.