المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي يُرۡسِلُ ٱلرِّيَٰحَ فَتُثِيرُ سَحَابٗا فَيَبۡسُطُهُۥ فِي ٱلسَّمَآءِ كَيۡفَ يَشَآءُ وَيَجۡعَلُهُۥ كِسَفٗا فَتَرَى ٱلۡوَدۡقَ يَخۡرُجُ مِنۡ خِلَٰلِهِۦۖ فَإِذَآ أَصَابَ بِهِۦ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦٓ إِذَا هُمۡ يَسۡتَبۡشِرُونَ} (48)

48- الله - سبحانه وتعالى - الذي يُرسل الرياح فتحرك بقوة دفعها السحاب ، فيبسطه الله في السماء كيف يشاء هنا وهناك في قلة أو كثرة ، ويجعله قطعاً ، فترى المطر يخرج من بين السحاب ، فإذا أنزل الله المطر على من يشاء من عباده يسارعون إلى البِشْر والفرح{[173]} .


[173]:راجع التعليق العلمي على الآية 43 من سورة النور.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي يُرۡسِلُ ٱلرِّيَٰحَ فَتُثِيرُ سَحَابٗا فَيَبۡسُطُهُۥ فِي ٱلسَّمَآءِ كَيۡفَ يَشَآءُ وَيَجۡعَلُهُۥ كِسَفٗا فَتَرَى ٱلۡوَدۡقَ يَخۡرُجُ مِنۡ خِلَٰلِهِۦۖ فَإِذَآ أَصَابَ بِهِۦ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦٓ إِذَا هُمۡ يَسۡتَبۡشِرُونَ} (48)

ثم تعود السورة مرة أخرى إلى الحديث عن الرياح وما يترتب عليها من منافع فتقول : { الله الذي يُرْسِلُ الرياح } بقدرته ومشيئته .

{ فَتُثِيرُ سَحَاباً } أى : هذه الرياح يرسلها الله - تعالى - تتحرك فى الجو وفق إرادته - سبحانه - وتحرك السحاب وتنشره من مكان إلى آخر .

{ فَيَبْسُطُهُ فِي السمآء كَيْفَ يَشَآءُ } : أى فيبسط الله - تعالى - هذا السحاب فى طبقات الجو ، بالكيفية التى يختارها - سبحانه - ويريدها ، بأن يجعله تارة متكاثفاً ، وتارة متناثراً ، وتارة من جهة الشمال ، وتارة من جهات غيرها .

{ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً } أى : ويجعله قطعا بعضها فوقبعض تارة أخرى . والكسف : جمع كسفه ، وهى القطعة من السحاب .

{ فَتَرَى الودق } أى : المطر { يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ } أى يخرج من خلافه أى يخرج ويتساقط من خلال هذا السحاب ، ومن بين ذراته . { فَإِذَآ أَصَابَ بِهِ } ، أى : بهذا المطر { مَن يَشَآءُ } إصابته به { مِنْ عِبَادِهِ } بأن ينزله على أراضيهم وعلى بلادهم { إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } أى : يفرحون بذلك ، لأنه يكون سبباً فى حياتهم وحياة دوابهم وزروعهم . .

وأعرف الناس بنعمة المطر ، أولئك الذين يعيشون فى الأماكن البعيدة عن الأنهار . كأهل مكة ومن يشبهونهم ممن تقوم حياتهم على مياه الأمطار .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي يُرۡسِلُ ٱلرِّيَٰحَ فَتُثِيرُ سَحَابٗا فَيَبۡسُطُهُۥ فِي ٱلسَّمَآءِ كَيۡفَ يَشَآءُ وَيَجۡعَلُهُۥ كِسَفٗا فَتَرَى ٱلۡوَدۡقَ يَخۡرُجُ مِنۡ خِلَٰلِهِۦۖ فَإِذَآ أَصَابَ بِهِۦ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦٓ إِذَا هُمۡ يَسۡتَبۡشِرُونَ} (48)

33

بعد ذلك يمضي السياق يقرر أن الله هو الذي يرسل الرياح ، وينزل المطر ، ويحيي الأرض بعد موتها ، وكذلك يحيي الموتى فيبعثون . . سنة واحدة ، وطريقة واحدة ، وحلقات في سلسلة الناموس الكبير :

( الله الذي يرسل الرياح ) . . وفق ناموسه في تكوين هذا الكون وتنظيمه وتصريفه . ( فتثير سحابا ) . بما تحمله من بخار الماء المتصاعد من كتلة الماء في الأرض . ( فيبسطه في السماء ) . . ويفرشه ويمده . ( ويجعله كسفا ) . . بتجميعه وتكثيفه وتراكمه بعضه فوق بعض ، أو يصطدم بعضه ببعض ، أو تنبعث شرارة كهربائية بين طبقة منه وطبقة ، أو كسفة منه وكسفة . ( فترى الودق يخرج من خلاله )وهو المطر يتساقط من خلال السحاب . ( فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون ) . . ولا يعرف هذا الاستبشار على حقيقته كما يعرفه الذين يعيشون مباشرة على المطر . والعرب أعرف الناس بهذه الإشارة . وحياتهم كلها تقوم على ماء السماء ، وقد تضمنت ذكره أشعارهم وأخبارهم في لهفة وحب وإعزاز !

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي يُرۡسِلُ ٱلرِّيَٰحَ فَتُثِيرُ سَحَابٗا فَيَبۡسُطُهُۥ فِي ٱلسَّمَآءِ كَيۡفَ يَشَآءُ وَيَجۡعَلُهُۥ كِسَفٗا فَتَرَى ٱلۡوَدۡقَ يَخۡرُجُ مِنۡ خِلَٰلِهِۦۖ فَإِذَآ أَصَابَ بِهِۦ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦٓ إِذَا هُمۡ يَسۡتَبۡشِرُونَ} (48)

{ الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه } متصلا تارة . { في السماء } في سمتها . { كيف يشاء } سائرا أو واقفا مطبقا وغير مطبق من جانب دون جانب إلى غير ذلك . { ويجعله كسفا } قطعا تارة أخرى ، وقرأ ابن عامر بالسكون على أنه مخفف أو جمع كسفة أو مصدر وصف به . { فترى الودق } المطر . { يخرج من خلاله } في التارتين . { فإذا أصاب به من يشاء من عباده } يعني بلادهم وأراضيهم . { إذا هم يستبشرون } لمجيء الخصب .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي يُرۡسِلُ ٱلرِّيَٰحَ فَتُثِيرُ سَحَابٗا فَيَبۡسُطُهُۥ فِي ٱلسَّمَآءِ كَيۡفَ يَشَآءُ وَيَجۡعَلُهُۥ كِسَفٗا فَتَرَى ٱلۡوَدۡقَ يَخۡرُجُ مِنۡ خِلَٰلِهِۦۖ فَإِذَآ أَصَابَ بِهِۦ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦٓ إِذَا هُمۡ يَسۡتَبۡشِرُونَ} (48)

جاءت هذه الجملة على أسلوب أمثالها كما تقدم في قوله { هو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده } [ الروم : 27 ] ، وجاءت المناسبة هنا لذكر الاستدلال بإرسال الرياح في قوله { ومن ءاياته أن يرسل الرياح مبشرات } [ الروم : 46 ] استدلالاً على التفرّد بالتصرف وتصوير الصنع الحكيم الدال على سعة العلم ، ثم أعقب بالاستدلال بإرسال الرياح توسلاً إلى ذكر إحياء الأرض بعد موتها المستدَلّ به على البعث ، فقد أفادت صيغة الحصر بقوله { الله الذي يرسل الرياح أنه هو المتصرف في هذا الشأن العجيب دون غيره ، وكفى بهذا إبطالاً لإلهية الأصنام ، لأنها لا تستطيع مثل هذا الصنع الذي هو أقرب التصرفات في شؤون نفع البشر . والتعبير بصيغة المضارع في : يُرسل ، وتُثير ، ويَبسطه ، ويَجعله لاستحضار الصور العجيبة في تلك التصرفات حتى كأنَّ السامع يشاهد تكوينها مع الدلالة على تجدد ذلك .

{ وجمع الرياح } لِما شاع في استعمالهم من إطلاقها بصيغة الجمع على ريح البشارة بالمطر لأن الرياح التي تثير السحاب هي الرياح المختلفة جهات هبوبها بين : جَنوب وشَمَال وصَبا ودبور ، بخلاف اسم الريح المفردة فإنه غلب في الاستعمال إطلاقه على ريح القوة والشدة لأنها تتصل واردةً من صوب واحد فلا تزال تشتد . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا هبت الريح قال : « اللهم اجعلها رياحاً لا ريحاً {[318]} » وقد تقدم قوله تعالى { وتَصْرِيف الرِّيَاح } في سورة البقرة ( 164 ) .

والإثارة : تحريك القارّ تحريكاً يضطرب به عن موضعه . وإثارة السحاب إنشاؤه بما تحدثه الرياح في الأجواء من رطوبة تحصل من تفاعل الحرارة والبرودة .

والبسط : النشر . والسماء : الجو الأعلى وهو جو الأسحِبة .

و { كيف } هنا مجردة عن معنى الاستفهام ، وموقعها المفعولية المطلقة من { يبسطه } لأنها نائبة عن المصدر ، أي : يَبسطه بسطاً كيفيته يشاؤها الله ، وقد تقدم في قوله تعالى : { هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء } في سورة آل عمران ( 6 ) . وتقدم أن من زعم أنها شرط لم يصادف الصواب .

و { كِسَفاً } بكسر ففتح في قراءة الجمهور جمع كِسْف بكسر فسكون ، ويُقال : كِسْفة بهاء تأنيث وهو القطعة . وقد تقدم في قوله تعالى { أوْ تَسْقُط السَّماء كَما زَعمت علينَا كِسْفاً } في سورة الإسراء ( 92 ) . وتقدم الكِسْف في قوله { فأسقط علينا كِسفاً من السَّماء إنْ كُنْت مِن الصَّادِقين } في سورة الشعراء ( 187 ) . والمعنى : أنه يبسط السحاب في السماء تارة ، أي يجعله ممتداً عاماً في جو السماء وهو المدجن الذي يظلم به الجو ويقال المغلق ، ويجعله كسفاً أي تارة أخرى كما دلت عليه المقابلة ، أي : يجعله غمامات لأن حالة جعله كسفاً غير حالة بسطه في السماء ، فتعين أن يكون الجمع بينهما في الذكر مراداً منه اختلاف أحوال السحاب . والمقصود من هذا : أن اختلاف الحال آية على سعة القدرة .

والخطاب في { فترى الوَدْق } خطاب لغير معيّن وهو كل من يتأتى منه سماع هذا وتتأتى منه رؤية الودق . والودق : المطر . وضمير { خلاله } للسحاب بحالتيه المذكورتين وهما حالة بسطه في السماء وحالة جعله كسفاً فإن المطر ينزل من خلال السحاب المغلق والغمامات . والخلال : جمع خَلَل بفتحتين وهو الفرجة بين شيئين . وتقدم نظير هذه الجملة في سورة النور ( 43 ) .

وذكر اختلاف أحوال العباد في وقت نزول المطر وفي وقت انحباسه بين استبشار وإبلاس إدماج للتذكير برحمة الله إياهم وللاعتبار باختلاف تأثرات نفوسهم في السراء والضراء ، وفي ذلك إيماء إلى عظيم تصرف الله في خِلقة الإنسان إذ جعله قابلاً لاختلاف الانفعال مع اتحاد العقل والقلب كما جعل السحاب مختلف الانفعال من بسط وتقطع مع اتحاد الفعل وهو خروج الودق من خلاله .


[318]:- عن البيهقي بسند ضعيف