ثم يحكى القرآن بعد ذلك ما طلبه سليمان - عليه السلام - من جنوده فيقول : { قَالَ ياأيها الملأ . . . } .
قال ابن كثير ما ملخصه : فلما رجعت الرسل إلى ملكة سبأ بما قاله سليمان ، قالت : قد - والله - عرفت ما هذا بملك ، وما لنا به من طاقة . . . وبعثت إليه : إنى قادمة إليك بملوك قومى ، لأنظر فى أمرك وما تدعونا إليه من دينك . . . ثم شخصت إليه فى اثنى عشر ألف رجل من أشراف قومها - بعد أن أقفلت الأبواب على عرشها - فجعل سليمان يبعث الجن يأتونه بمسيرها ومنتهاها كل يوم وليلة ، حتى إذا دنت جمع من عنده من الإنس والجن ممن تحت يده فقال : { قَالَ ياأيها الملأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } .
أى : قال سليمان لجنوده : أى واحد منكم يستطيع أن يحضر لى عرش هذه الملكة قبل أن تحضر إلى هى وقومها مسلمين ، أى : منقادين طائعين مستسلمين لما أمرتهم به .
ولعل سليمان - عليه السلام - قد طلب إحضار عرشها - من بلاد اليمن إلى بيت المقدس حيث مقر مملكته ، ليطلعها على عظيم قدرة الله - تعالى - ، وعلى ما أعطاه - سبحانه - له من ملك عريض ، ومن نعم جليلة ، ومن قوة خارقة ، حيث سخر له من يحضر له عرشها من مكان بعيد فى زمن يسير .
ولعل كل ذلك يقودها هى وقومها إلى الإيمان بالله رب العالمين .
ثم إذا سليمان - عليه السلام - يدرك أن هذا الرد سينهي الأمر مع ملكة لا تريد العداء - كما يبدو من طريقتها في مقابلة رسالته القوية بهدية ! - ويرجح أنها ستجيب دعوته . أو يؤكد . وقد كان .
ولكن السياق لا يذكر كيف عاد رسلها إليها ، ولا ماذا قالوا لها ، ولا ماذا اعتزمت بعدها . إنما يترك فجوة نعلم مما بعدها أنها قادمة ، وأن سليمان يعرف هذا ، وأنه يتذاكر مع جنوده في استحضار عرشها ، الذي خلفته في بلادها محروسا مصونا :
( قال : يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين ? قال عفريت من الجن : أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك . وإني عليه لقوي أمين . قال الذي عنده علم من الكتاب : أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ) . .
ترى ما الذي قصد إليه سليمان - عليه السلام - من استحضار عرشها قبل مجيئها مسلمة مع قومها ? نرجح أن هذه كانت وسيلة لعرض مظاهر القوة الخارقة التي تؤيده ، لتؤثر في قلب الملكة وتقودها إلى الإيمان بالله ، والإذعان لدعوته .
القائل سليمان عليه السلام و { الملأ } المنادى جمعه من الإنس والجن ، واختلف المتأولون في غرضه في استدعاء «عرشها » فقال قتادة ذكر له بعظم وجودة فأراد أخذه قبل أن يعصمها وقومها الإسلام ويحمي أموالهم ، و «الإسلام » على هذا التأويل الدين ، وهو قول ابن جريج ، وقال ابن زيد استدعاه ليريها القدرة التي هي من عند الله وليغرب عليها ، و { مسلمين } في هذا التأويل بمعنى مستسلمين وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما{[9019]} وذكره صلة في العبارة لا تأثير لاستسلامهم في غرض سليمان ، ويحتمل أن يكون بمعنى الإسلام ، وظاهر هذه الآيات أن هذه المقالة من سليمان عليه السلام بعد مجيء هديتها ورده إياها ، وقد بعث الهدهد بالكتاب وعلى هذا جمهور المفسرين ، وحكى الطبري عن ابن عباس أنه قال هذه المقالة هي ابتداء النظر في صدق الهدهد من كذبه لما قال له { ولها عرش عظيم } [ النمل : 23 ] قال سليمان { أيكم يأتيني بعرشها } ثم وقع في ترتيب القصص تقديم وتأخير .
قال القاضي أبو محمد : والقول الأول أصح{[9020]} وروي أن عرشها كان من ذهب وفضة مرصعاً بالياقوت والجوهر وأنه كان في جوف سبعة أبيات عليه سبعة أغلاق ، وقرأ الجمهور «قال عفريت » وقرأ أبو رجاء وعيسى الثقفي «قال عفرية »{[9021]} ، ورويت عن أبي بكر الصديق ، وقرأت فرقة «قال عِفر » بكسر العين{[9022]} ، وكل ذلك لغات فيه وهو من الشياطين القوي المارد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.