الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{قَالَ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَؤُاْ أَيُّكُمۡ يَأۡتِينِي بِعَرۡشِهَا قَبۡلَ أَن يَأۡتُونِي مُسۡلِمِينَ} (38)

قال ابن عباس : وكان سليمان مهيبا لا يبتدأ بشيء حتى يكون هو الذي يسأل عنه ؛ فنظر ذات يوم رهجا{[12291]} قريبا منه ، فقال : ما هذا ؟ فقالوا : بلقيس يا نبي الله . فقال سليمان لجنوده - وقال وهب وغيره : للجن - " أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين " وقال عبد الله بن شداد : كانت بلقيس على فرسخ من سليمان لما قال : " أيكم يأتيني بعرشها " وكانت خلفت عرشها بسبأ ، ووكلت به حفظة . وقيل : إنها لما بعثت بالهدية بعثت رسلها في جندها لتغافص{[12292]} سليمان عليه السلام بالقتل قبل أن يتأهب سليمان لها إن كان طالب ملك ، فلما علم ذلك قال : " أيكم يأتيني بعرشها " . قال ابن عباس : كان أمره بالإتيان بالعرش قبل أن يكتب الكتاب إليها ، ولم يكتب إليها حتى جاءه العرش . وقال ابن عطية : وظاهر الآيات أن هذه المقالة من سليمان عليه السلام بعد مجيء هديتها ورده إياها ، وبعثه الهدهد بالكتاب ، وعلى هذا جمهور المتأولين . واختلفوا في فائدة استدعاء عرشها ، فقال قتادة : ذكر له بعظم وجودة ، فأراد أخذه قبل أن يعصمها وقومها الإسلام ويحمي أموالهم ، والإسلام على هذا الدين ، وهو قول ابن جريج . وقال ابن زيد : استدعاه ليريها القدرة التي هي من عند الله ، ويجعله دليلا على نبوته ؛ لأخذه من بيوتها دون جيش ولا حرب ؛ و " مسلمين " على هذا التأويل بمعنى مستسلمين ، وهو قول ابن عباس . وقال ابن زيد أيضا : أراد أن يختبر عقلها ولهذا قال : " نكروا لها عرشها ننظر أتهتدي " . وقيل : خافت الجن أن يتزوج بها سليمان عليه السلام فيولد له منها ولد ، فلا يزالون في السخرة والخدمة لنسل سليمان فقالت لسليمان في عقلها خلل ؛ فأراد أن يمتحنها بعرشها . وقيل : أراد أن يختبر صدق الهدهد في قوله : " ولها عرش عظيم " قاله الطبري . وعن قتادة : أحب أن يراه لما وصفه الهدهد . والقول الأول عليه أكثر العلماء ؛ لقوله تعالى : " قبل أن يأتوني مسلمين " . ولأنها لو أسلمت لحظر عليه مالها فلا يؤتي به إلا بإذنها . روي أنه كان من فضة وذهب مرصعا بالياقوت الأحمر والجوهر ، وأنه كان في جوف سبعة أبيات عليه سبعة أغلاق .


[12291]:الرهج: الغبار.
[12292]:المغافصة: الأخذ على غرة.