إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{قَالَ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَؤُاْ أَيُّكُمۡ يَأۡتِينِي بِعَرۡشِهَا قَبۡلَ أَن يَأۡتُونِي مُسۡلِمِينَ} (38)

{ قَالَ يَا أَيُّهَا الملا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا } قالَه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لما دَنا مجيءُ بلقيسَ إليه عليه الصَّلاة والسَّلام . يُروى أنَّه لمَّا رجعتْ رسلُها إليها بما حُكي من خبرِ سُليمانَ عليه السَّلام ، قالتْ قد علمتُ والله ما هذا بملكٍ ولا لنا به من طاقةٌ ، وبعثتْ إلى سُليمانَ عليه السَّلام إنِّي قادمةٌ إليكَ بملوكِ قَوْمي حتى أنظرَ ما أمرُك وما تدعُو إليهِ من دينِك ثمَّ آذنتْ بالرَّحيلِ إلى سُليمانَ عليه السَّلامُ فشخصتْ إليه في اثني عشرَ ألفاً قيل : تحتَ كلِّ قَيْلٍ{[617]} ألوفٌ ويُروى أنَّها أمرتْ فجُعِلَ عرشُها في آخرِ سبعةِ أبياتٍ بعضُها في بعضٍ في آخرِ قصرٍ من قصورٍ سبعةٍ لها وغلَّقتِ الأبوابَ ووكَّلتْ به حَرَساً يحفظونَهُ ولعَلَّه أُوحيَ إلى سُليمانَ عليه السَّلامُ باستيثاقِها من عرشِها فأرادَ أنْ يُريها بعضَ ما خصَّه الله عزَّ سلطانُه به من إجراءِ التعاجيبِ على يدهِ مع إطلاعِها على عظيمِ قدرتِه تعالى وصحَّةِ نبُّوتِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ ويختبرَ عقلَها بأنْ يُنكِّرَ عرشَها فينظرَ أتعرفُه أم لا . وتقييدُ الإتيانِ به بقولِه تعالى : { قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } لمَا أنَّ ذلكَ أبدعُ وأغربُ وأبعدُ من الوقوعِ عادةً وأدلُّ على عظمِ قُدرةِ الله تعالى وصحَّةِ نبُّوتِه عليه الصَّلاة والسَّلام وليكونَ اختبارُها وإطلاعُها على بدائعِ المعجزاتِ في أولِ مجيئِها . وقيلَ : لأنَّها إذَا أتتْ مُسلمةً لم يحلَّ له أخذُ مالِها بغيرِ رِضَاها .


[617]:قيل: الملك من ملوك حمير يتقيل من قبله من ملوكهم ومنه الحديث: إلى قيل ذي رعين أي ملكها وقال ثعلب: الأقيال الملوك من غير أن يخص بها ملوك حمير.