وقوله : { إلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ } استثناء واستدراك على قوله : { لَنَذْهَبَنَّ بالذي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ . . } .
أى : والله إن شئنا إذهاب القرآن من صدرك لأذهبناه ، دون أن تجد أحدًا يرده عليك ، لكننا لم نشأ ذلك بل أبقيناه فى صدرك رحمة من ربك .
قال الجمل : وفى هذا الاستثناء قولان : أحدهما : أنه استثناء متصل : لأن الرحمة تندرج فى قوله { وكيلا } .
أى : إلا رحمة منا فإنها إن نالتك فلعلها تسترده عليك والثانى : أنه منقطع ، فيتقدر بلكن أو ببل ، و { من ربك } يجوز أن يتعلق بمحذوف صفة لرحمة - أى لكن رحمة ربك تركته غير مذهوب به .
وقوله { إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيراً } بيان لما امتن الله به على نبيه صلى الله عليه وسلم .
أى : إن فضله كان عليك كبيرًا ، حيث أنزل القرآن عليك ، وأبقاه فى صدرك دون أن يزيله منه ، وجعلك سيد ولد آدم ، وخاتم رسله ، وأعطاك المقام المحمود يوم القيامة .
قال صاحب الكشاف : " وهذا امتنان عظيم من الله - تعالى - ببقاء القرآن محفوظًا ، بعد المنة العظيمة فى تنزيله وتحفيظه . فعلى كل ذى علم أن لا يغفل عن هاتين المنتين والقيام بشكرهما . وهما منة الله عليه بحفظه العلم ، ورسوخه فى صدره ، ومنته عليه فى بقاء المحفوظ " .
القول في تأويل قوله تعالى : { إِلاّ رَحْمَةً مّن رّبّكَ إِنّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيراً } .
يقول عزّ وجلّ : ولئنْ شِئْنا لنذهبنّ يا محمد بالّذِي أوْحيْنَا إليْكَ ولكنه لا يشاء ذلك ، رحمة من ربك وتفضلاً منه عليك إنّ فضْلهُ كانَ عليكَ كبيرا باصطفائه إياك لرسالته ، وإنزاله عليك كتابه ، وسائر نعمه عليك التي لا تحصى .
الاستثناء في قوله : { إلا رحمة من ربك } منقطع فحرف الاستثناء فيه بمعنى الاستدراك . وهو استدراك على ما اقتضاه فعل الشرط من توقع ذلك ، أي لكن رحمة من ربك نفت مشيئة الذهاب بالذي أوحينا إليك فهو باققٍ غير مذهوب به .
وهذا إيماء إلى بقاء القرآن وحفظه ، قال تعالى : { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } [ الحجر : 9 ] .
وموقع { إن فضله كان عليك كبيراً } موقع التعليل للاستثناء المنقطع ، أي لكن رحمة من ربك منعت تعلق المشيئة بإذهاب الذي أوحينا إليك ، لأن فضله كان عليك كبيراً فلا يحرمك فضل الذي أوحاه إليك . وزيادة فعل ( كان ) لتوكيد الجملة زيادة على توكيدها بحرف التوكيد المستعمل في معنى التعليل والتفريع .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.