نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{إِلَّا رَحۡمَةٗ مِّن رَّبِّكَۚ إِنَّ فَضۡلَهُۥ كَانَ عَلَيۡكَ كَبِيرٗا} (87)

ولما كان لا ملجأ منه سبحانه إلا إليه ، قال تعالى : { إلا } أي لكن تجد { رحمة } مبتدئة وكائنة { من ربك } أي المحسن إليك بأن أوجدك ورباك ، ولم يقطع إحسانه قط عنك ، يعيد بها إليك ويأتيك بما يقوم مقامه ، وعبر عن أداة الانقطاع بأداة الاتصال إشارة إلى أن رحمته سبحانه له - التي اقتضتها صفة إحسانه إليه لعظمها - كالوكيل الذي يتصرف بالغبطة على كل حال .

ولما كان في إنزاله إليه ثم إبقائه لديه من النعمة عليه وعلى أمته ما لا يحصى ، نبه على ذلك بقوله تعالى مستأنفاً مؤكداً لأن كون الرحمة هكذا من أغرب الغريب ، فهو بحيث لا يكاد يصدق ، وهو مما يتلذذ بذكره { إن فضله كان } أي كوناً ثابتاً { عليك } أي خاصة { كبيراً * } أي بالغ الكبر ، وقد ورد أنه يذهب بالقرآن في آخر الزمان ، يسري بما في المصاحف وبما في القلوب ، وقد أفهمت ذلك هذه الآية لأن كلام الملوك يفهم أصل الشيء ولو كان في سياق الشرط .