ثم بين - سبحانه - ما يدل على شمول ملكه لكل شىء فقال : { وَلِلَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض . . } . أى : ولله - تعالى - وحده جميع ما فى السموات وما فى الأرض خلقا ، وملكا ، وتصرفا . . .
واللام فى قوله : { لِيَجْزِيَ الذين أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيِجْزِيَ الذين أَحْسَنُواْ بالحسنى } متعلقة بمحذوف يدل عليه الكلام السابق .
أى : فعل ما فعل - سبحانه - من خلقه للسموات والأرض وما فيهما ، ليجزى يوم القيامة ، الذين اساءوا فى أعمالهم بما يستحقونه من عقاب ، وليجزى الذين أحسنوا فى أعمالهم بما يستحقونه من ثواب .
وقوله : { بالحسنى } صفة لموصوف محذوف ، أى : بالمثوبة الحسنى التى هى الجنة .
( ولله ما في السماوات وما في الأرض . ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ) . .
وهذا التقرير لملكية الله - وحده - لما في السماوات وما في الأرض ، يمنح قضية الآخرة قوة وتأثيرا . فالذي جعل الآخرة وقدرها هو الذي يملك ما في السماوات وما في الأرض وحده ، فهو القادر على الجزاء ، المختص به ، المالك لأسبابه . ومن شأن هذه الملكية أن تحقق الجزاء الكامل العادل : ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى . .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلِلّهِ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ لِيَجْزِيَ الّذِينَ أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيِجْزِيَ الّذِينَ أَحْسَنُواْ بِالْحُسْنَى } .
يقول تعالى ذكره : وَلِلّهِ مُلك ما في السّمَوَاتِ وَما فِي الأرْضِ من شيء ، وهو يضلّ من يشاء ، وهو أعلم بهم لِيَجْزِيَ الّذِينَ أساءُوا بِمَا عَمِلُوا يقول : ليجزي الذين عَصَوْه من خلقه ، فأساءوا بمعصيتهم إياه ، فيثيبهم بها النار وَيجْزِيَ الّذِينَ أحْسَنُوا بالحُسْنَى يقول : وليجزيَ الذين أطاعوه فأحسنوا بطاعتهم إياه في الدنيا بالحسنى وهي الجنة ، فيثيبهم بها .
وقيل : عُنِي بذلك أهل الشرك والإيمان . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني عبد الله بن عياش ، قال : قال زيد بن أسلم في قول الله : لِيَجْزِيَ الّذِينَ أساءُوا بِمَا عَمِلُوا ويَجْزِيَ الّذِينَ أحْسَنُوا المؤمنون .
وقوله : الّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الإثْمِ يقول : الذين يبتعدون عن كبائر الإثم التي نهى الله عنها وحرمها عليهم فلا يقربونها ، وذلك الشرك بالله ، وما قد بيّناه في قوله : إنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نَكَفّرْ عَنْكُمْ سَيّئَاتِكُمْ .
وقوله : وَالفَواحِشَ وهي الزنا وما أشبهه ، مما أوجب الله فيه حدّا .
وقوله : إلاّ اللّمَمَ اختلف أهل التأويل في معنى «إلا » في هذا الموضع ، فقال بعضهم : هي بمعنى الاستثناء المنقطع ، وقالوا : معنى الكلام : الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش ، إلا اللمم الذي ألمّوا به من الإثم والفواحش في الجاهلية قبل الإسلام ، فإن الله قد عفا لهم عنه ، فلا يؤاخذهم به . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : الّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الإثْمِ وَالفَوَاحِشَ إلاّ اللّمَمَ يقول : إلا ما قد سلف .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : الّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الإثْمِ وَالفَواحِشَ إلاّ اللّمَمَ قال : المشركون إنما كانوا بالأمس يعملون معناه ، فأنزل الله عزّ وجلّ إلاّ اللّمَمَ ما كان منهم في الجاهلية . قال : واللمم : الذي ألموا به من تلك الكبائر والفواحش في الجاهلية قبل الإسلام ، وغفرها لهم حين أسلموا .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن ابن عياش ، عن ابن عون ، عن محمد ، قال : سأل رجل زيد بن ثابت ، عن هذه الاَية الّذِيَنَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الإثْمِ وَالفَواحِشَ إلاّ اللّمَمَ فقال : حرّم الله عليك الفواحش ما ظهر منها وما بطن .
حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني عبد الله بن عياش ، قال : قال زيد بن أسلم في قول الله : الّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الإثْمِ وَالفَوَاحِشَ إلاّ اللّمَمَ قال : كبائر الشرك والفواحش : الزنى ، تركوا ذلك حين دخلوا في الإسلام ، فغفر الله لهم ما كانوا ألموا به وأصابوا من ذلك قبل الإسلام .
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب ممن يوجه تأويل «إلا » في هذا الموضع إلى هذا الوجه الذي ذكرته عن ابن عباس يقول في تأويل ذلك : لم يؤذن لهم في اللمم ، وليس هو من الفواحش ، ولا من كبائر الإثم ، وقد يُستثنى الشيء من الشيء ، وليس منه على ضمير قد كفّ عنه فمجازه ، إلا أن يلمّ بشيء ليس من الفواحش ولا من الكبائر ، قال : الشاعر :
وَبَلْدَةٍ لَيْسَ بِها أَنِيسُ *** إلاّ اليَعافِيرُ وَإلاّ الْعِيسُ
واليعافير : الظباء ، والعيس : الإبل وليسا من الناس ، فكأنه قال : ليس به أنيس ، غير أن به ظباء وإبلاً . وقال بعضهم : اليعفور من الظباء الأحمر ، والأعيس : الأبيض .
وقال بنحو هذا القول جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، أن ابن مسعود قال : زنى العينين : النظر ، وزنى الشفتين : التقبيل ، وزنى اليدين : البطش ، وزنى الرجلين : المشي ، ويصدّق ذلك الفرْج أو يكذّبه ، فإن تقدّم بفرجه كان زانيا ، وإلا فهو اللمم .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، قال : وأخبرنا ابن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم : «إنّ اللّهَ كَتَبَ على ابْنِ آدَمَ حَظّهُ مِنَ الزّنى أدْركَهُ ذلكَ لا مَحَالَةَ ، فَزِني العَيْنَيْنِ النّظَرُ ، وَزِني اللّسانِ المَنْطِقُ ، والنّفْسُ تَتَمَنّى وَتَشْتَهِي ، وَالفَرْجُ يُصَدّقُ ذلكَ أوْ يُكَذّبُهُ » .
حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن مسروق في قوله : إلاّ اللّمَمَ قال : إن تقدم كان زنى ، وإن تأخر كان لَمَما .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، قال : حدثنا منصور بن عبد الرحمن ، قال : سألت الشعبيّ ، عن قول الله : يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الإثْمِ وَالفَوَاحِشَ إلاّ اللّمَمَ قال : هو ما دون الزنى ، ثم ذكر لنا عن ابن مسعود ، قال : زنى العينين ، ما نظرتْ إليه ، وزنى اليد : ما لمستْ ، وزنى الرجل : ما مشتْ والتحقيق بالفرج .
حدثني محمد بن معمر ، قال : حدثنا يعقوب ، قال : حدثنا وهيب ، قال : حدثنا عبد الله بن عثمان بن خُثَيم بن عمرو القاريّ ، قال : ثني عبد الرحمن بن نافع الذي يقال له ابن لُبابة الطائفيّ ، قال : سألت أبا هُريرة عن قول الله : الّذِينَ يجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الإثْمِ وَالفَوَاحِشَ إلاّ اللّمَمَ قال : القُبلة ، والغَمزة ، والنظْرة والمباشرة ، إذا مسّ الختان الختان فقد وجب الغسل ، وهو الزنى .
وقال آخرون : بل ذلك استثناء صحيح ، ومعنى الكلام : الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إلا أن يلمّ بها ثم يتوب . ذكر من قال ذلك :
حدثني سليمان بن عبد الجبار ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : أخبرنا زكريا بن إسحاق ، عن عمرو بن دينار ، عن عطاء ، عن ابن عباس الّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الإثْمِ وَالفَوَاحِشَ إلاّ اللّمَمَ قال : هو الرجل يلمّ بالفاحشة ثم يتوب قال : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
«إنْ تَغْفِرِ اللّهُمّ تَغْفِرْ جَمّا *** وأيّ عَبْدٍ لَكَ لا أَلمّا »
حدثني ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن منصور ، عن مجاهد ، أنه قال في هذه الاَية إلاّ اللّمَمَ قال : الذي يلمّ بالذنب ثم يدعه ، وقال الشاعر :
إنْ تَغْفِرِ اللّهُمّ تَغْفِرِ جمّا *** وأيّ عَبْدِ لَكَ لا أَلمّا
حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع ، قال : حدثنا يونس ، عن الحسن ، عن أبي هُريرة ، أراه رفعه : الّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الإثْمِ وَالفَواحِشَ إلاّ اللّمَمَ قال : اللّمة من الزنى ، ثم يتوب ولا يعود ، واللّمة من السرقة ، ثم يتوب ولا يعود واللّمة من شرب الخمر ، ثم يتوب ولا يعود ، قال : فتلك الإلمام .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن عوف ، عن الحسن ، في قول الله : الّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرِ الإثْمِ وَالفَوَاحِشَ إلاّ اللّمَمَ قال : اللّمة من الزنى أو السرقة ، أو شرب الخمر ، ثم لا يعود .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ عن عوف ، عن الحسن ، في قول الله : الّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الإثْمِ وَالفَوَاحِشَ إلاّ اللّمَمَ قال : اللمة من الزنى ، أو السرقة ، أو شرب الخمر ثم لا يعود .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله : الّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الإثْمِ وَالفَوَاحِشَ إلاّ اللّمَمَ قال : قد كان أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم يقولون : هذا الرجل يصيب اللمة من الزنا ، واللّمة من شرب الخمر ، فيخفيها فيتوب منها .
حدثنا ابن حُمَيْد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن جُرَيج ، عن عطاء ، عن ابن عباس إلاّ اللّمَمَ يلمّ بها في الحين ، قلت الزنى ، قال : الزنى ثم يتوب .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، قال : قال معمر : كان الحسن يقول في اللّمم : تكون اللّمة من الرجل : الفاحشة ثم يتوب .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن إسماعيل ، عن أبي صالح ، قال : الزنى ثم يتوب .
قال : ثنا مهران ، عن أبي جعفر ، عن قتادة ، عن الحسن إلاّ اللّمَمَ قال : أن يقع الوقعة ثم ينتهي .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن عُيينة ، عن عمرو ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، قال : اللّمم : الذي تُلِمّ المرّةَ .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، قال : أخبرني يحيى بن أيوب ، عن المثنى بن الصباح ، عن عمرو بن شعيب ، أن عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال : اللمم : ما دون الشرك .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو عامر ، قال : حدثنا مرّة ، عن عبد الله بن القاسم ، في قوله : إلاّ اللّمَمَ قال : اللّمة يلمّ بها من الذنوب .
حدثنا ابن حُميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله : إلاّ اللّمَمَ قال : الرجل يلمّ بالذنب ثم ينزع عنه . قال : وكان أهل الجاهلية يطوفون بالبيت وهم يقولون :
إنْ تَغْفِرِ اللّهُمّ تَغْفِرْ جَمّا *** وأيّ عَبْدٍ لَكَ لا أَلمّا
وقال آخرون ممن وجه معنى «إلا » إلى الاستثناء المنقطع : اللمم : هو دون حدّ الدنيا وحدّ الاَخرة ، قد تجاوز الله عنه . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن جابر ، عن عطاء ، عن ابن الزبير إلاّ اللّمَمَ قال : ما بين الحدّين ، حدّ الدنيا ، وعذاب الاَخرة .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن ابن عباس أنه قال : اللمم : ما دون الحدّين : حدّ الدنيا والاَخرة .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن شعبة ، عن الحكم وقتادة ، عن ابن عباس بمثله ، إلا أنه قال : حدّ الدنيا ، وحدّ الاَخرة .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : أخبرنا شعبة ، عن الحكم بن عتيبة ، قال : قال ابن عباس : اللمم ما دون الحدين ، حد الدنيا وحد الاَخرة .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : الّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الإثْمِ والفَوَاحِشَ إلاّ اللّمَمَ قال : كلّ شيء بين الحدّين ، حدّ الدنيا وحدّ الاَخرة ، تكفّره الصلوات ، وهو اللمم ، وهو دون كل موجب فأما حدّ الدنيا فكلّ حدّ فرض الله عقوبته في الدنيا وأما حدّ الاَخرة فكلّ شيء ختمه الله بالنار ، وأخّر عقوبته إلى الاَخرة .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا يحيى ، قال : حدثنا الحسين ، عن يزيد ، عن عكرِمة ، في قوله : إلاّ اللّمَمَ يقول : ما بين الحدين ، كل ذنب ليس فيه حدّ في الدنيا ولا عذاب في الاَخرة ، فهو اللمم .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : الّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الإثمِ والفَوَاحِشَ إلاّ اللّمَمَ واللمم : ما كان بين الحدّين لم يبلغ حدّ الدنيا ولا حدّ الاَخرة موجبة ، قد أوجب الله لأهلها النار ، أو فاحشة يقام عليه الحدّ في الدنيا .
وحدثنا ابن حُمَيْد ، قال : حدثنا مهران ، عن أبي جعفر ، عن قتادة ، قال : قال بعضهم : اللمم : ما بين الحدّين : حدّ الدنيا ، وحدّ الاَخرة .
حدثنا أبو كُرَيب ويعقوب ، قالا : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، قال : حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة عن ابن عباس ، قال : اللمم : ما بين الحدّين : حدّ الدنيا ، وحدّ الاَخرة .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، قال : قال الضحاك إلاّ اللّمَمَ قال : كلّ شيء بين حدّ الدنيا والاَخرة فهو اللمم يغفره الله .
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال «إلا » بمعنى الاستثناء المنقطع ، ووجّه معنى الكلام إلى الّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الإثْمِ والفَوَاحِشَ إلاّ اللّمَمَ بما دون كبائر الإثم ، ودون الفواحش الموجبة للحدود في الدنيا ، والعذاب في الاَخرة ، فإن ذلك معفوّ لهم عنه ، وذلك عندي نظير قوله جلّ ثناؤه : إنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفّرْ عَنْكُمْ سَيّئاتِكُمْ وَنُدْخِلُكُمْ مُدْخَلاً كَرِيما فوعد جلّ ثناؤه باجتناب الكبائر ، العفو عما دونها من السيئات ، وهو اللمم الذي قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «العَيْنانِ تَزْنِيانِ ، وَاليَدَانِ تَزْنِيانِ ، وَالرّجْلانِ تَزْنِيانِ وَيُصَدّقُ ذلكَ الفَرْجُ أوْ يُكَذّبُهُ » ، وذلك أنه لا حد فيما دون ولوج الفرج في الفرج ، وذلك هو العفو من الله في الدنيا عن عقوبة العبد عليه ، والله جلّ ثناؤه أكرم من أن يعود فيما قد عفا عنه ، كما رُوِي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم واللمم في كلام العرب : المقاربة للشيء ، ذكر الفرّاء أنه سمع العرب تقول : ضربه ما لمم القتل ، يريدون ضربا مقاربا للقتل . قال : وسمعت من آخر : ألمّ يفعل في معنى : كاد يفعل .