إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ لِيَجۡزِيَ ٱلَّذِينَ أَسَـٰٓـُٔواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيَجۡزِيَ ٱلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ بِٱلۡحُسۡنَى} (31)

{ وَللَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض } أي خَلقاً ومُلكاً لا لغيرِه أصلاً لا استقلالاً ولا اشتراكاً . وقوله تعالى : { لِيَجْزِيَ } الخ متعلقٌ بما دلَّ عليهِ أعلمُ الخ وما بينهما اعتراضٌ مقررٌ لما قبلَهُ فإنَّ كونَ الكُلِّ مخلوقاً له تعالى ممَّا يقررُ علمَهُ تعالَى بأحوالِهم { ألا يعلمُ منْ خلقَ } [ سورة الملك ، الآية 14 ] كأنَّه قيلَ فيعلمُ ضلالَ من ضلَّ واهتداءَ من اهتدَى ويحفظُهما ليجزيَ { الذين أَسَاءوا بِمَا عَمِلُوا } أي بعقابِ ما عملُوا من الضلالِ الذي عبَّر عنْهُ بالإساءةِ بياناً لحالهِ أو بسببِ ما عملوا .

{ وَيِجْزِيَ الذين أَحْسَنُوا } أي اهتدوا { بالحسنى } أي بالمثوبةِ الحْسْنَى التي هي الجنةُ أو بسببِ أعمالِهم الحُسْنَى ، وقيلَ متعلقٌ بما دلَّ عليهِ قولُه تعالى : { وَللَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض } [ سورة آل عمران ، الآيات 109 و129 وسورة النساء ، الآيات 126 و131 ] كأنَّه قيلَ خلقَ ما فيهمَا ليجزيَ الخ ، وقيلَ : متعلقٌ بضلَّ واهتدَى على أن اللامَ للعاقبةِ أي هُو أعلمُ بمن ضلَّ ليؤولَ أمرُه إلى أنْ يجزيَهُ الله تعالى بعملِه وبمنِ اهتدَى ليؤولَ أمرُهُ إلى أنْ يجزيَهُ بالحُسْنَى وفيهِ من البُعدِ ما لا يَخْفى ، وتكريرُ الفعلِ لإبرازِ كمالِ الاعتناءِ بأمرِ الجزاءِ والتنبيهِ على تباينِ الجزاءينِ .