المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{أَمۡ تَقُولُونَ إِنَّ إِبۡرَٰهِـۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطَ كَانُواْ هُودًا أَوۡ نَصَٰرَىٰۗ قُلۡ ءَأَنتُمۡ أَعۡلَمُ أَمِ ٱللَّهُۗ وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَٰدَةً عِندَهُۥ مِنَ ٱللَّهِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ} (140)

140- قولوا لهم : أتجادلوننا في إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وأبنائه الأسباط زاعمين أنهم كانوا يهودا أو نصارى مثلكم ؟ ، مع أنه ما أنزلت التوراة والإنجيل اللذان قامت عليهما اليهودية والنصرانية إلا من بعد هؤلاء ، وقد أخبرنا الله بذلك ، أفأنتم أعلم أم الله ؟ ، بل إن الله قد أخبركم أنتم بذلك في أسفاركم فلا تكتموا الحق المدوَّن في أسفاركم هذه ، ومن أظلم ممن كتم حقيقة يعلمها من كتابه وسيجازيكم الله على ما تلجون فيه من باطل ، فليس الله بغافل عما تعملون{[6]} .


[6]:تعاقب القوانين الوضعية في مختلف الدول على شهادة الزور، وهي قول غير الحق ويعاقب عليها القرآن أيضا، ولكن هذه الآية تجعل مجرد كتمان الشهادة إثما وظلما، وهي جريمة ليس لها حد أي عقوبة معينة في الشريعة الإسلامية، والعقاب عليها متروك لولي الأمر فهي داخلة في باب التعزيز.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَمۡ تَقُولُونَ إِنَّ إِبۡرَٰهِـۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطَ كَانُواْ هُودًا أَوۡ نَصَٰرَىٰۗ قُلۡ ءَأَنتُمۡ أَعۡلَمُ أَمِ ٱللَّهُۗ وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَٰدَةً عِندَهُۥ مِنَ ٱللَّهِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ} (140)

وبعد أن أبطل القرآن الكريم محاجة أهل الكتاب في دين الله بغير حق وأنكر عليهم ذلك ، عقبه بإبطال دعواهم أن أسلافهم من الأنبياء كانوا هوداً أو نصارى فقال تعالى : { أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُواْ هُوداً أَوْ نصارى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ الله وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ الله وَمَا الله بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } .

وقوله تعالى : { أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ } حرف " أم " فيه معادل للهمزة في قوله تعالى في الآية السابقة

{ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللَّهِ } على أحد الوجوه بمعنى أي الأمرين تأتون ؟ المحاجة في حكمة الله أم ادعاء اليهودية والنصرانية على الأنبياء المذكورين في هذه الآية والمراد من الاستفهام عنهما إنكارهما معاً ، إنكار حجاجهم في دين الله ، وإنكار قولهم إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هوداً أو نصارى .

فكأنه - سبحانه - يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم قل لهم : لا تجادلوننا في دين الله بغير حق ، ولا تقولوا إن الأنبياء كانوا على دينكم ، فإن مجادلتكم وأقوالكم من قبيل المزاعم الباطلة التي لا سند لها من عقل أو نقل .

وقوله تعالى : { قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ الله } معناه قل لهم يا محمد إن زعموا أن الأنبياء المذكورين في الآية كانوا هودا أو نصارى : إن ما زعمتوه من أن إبراهيم واسماعيل وإسحاق ويعقوب كانوا هودا أو نصارى هو على خلاف ما يعلمه الله ، لأنه - سبحانه - قد أخبرنا بأنهم كانوا مسلمين مبرئين عن اليهودية والنصرانية ، وأن يعقوب - عليه السلام - عندما حضرته الوفاة أوصى بنيه بأن يموتوا على الإِسلام ، وأن التوراة والانجيل ما أنزلا إلا من بعد أولئك الأنبياء جميعا ، هكذا أخبرنا الله فهل أنتم أعلم بديانتهم أم الله ولا شك أنهم لن يستطيعوا أن يقولوا نحن أعلم ، وإنما سيقولون الله أعلم ، فإذا لزمهم هذا القول : قلنا لهم إذا فدعواكم لا أساس لها من الصحة وبذلك تكون الجملة الكريمة قد قطعت حجتهم بأجمع بيان وأحكمه .

وقوله تعالى : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ الله } معناه لا أحد أشد ظلماً ممن يكتم شهادة ثبتت عنده عن الله ، تخبر بأن هؤلاء الأنبياء كانوا على الإِسلام ولم يكونوا هوداً أو نصارى .

قال فضيلة أستاذنا السيد محمد الخضر حسين - رحمه الله - ما ملخصه : ولما أنزل قوله تعالى : { الذين يَتَّبِعُونَ الرسول النبي الأمي الذي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التوراة والإنجيل يَأْمُرُهُم بالمعروف وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المنكر وَيُحِلُّ لَهُمُ الطيبات وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخبآئث . . . } إلى آخر الآية الكريمة ، كان من أهل الكتاب من آمن به وأخبر بما في كتبهم من ذكره بصفته وعلاماته ، وكان منهم من لا ينكر أن يكون قد ذكر في الكتابين . ولكنه يكابر ويقول : المقصود نبي لم يأت بعد وقد تصدى لجمع هذه البشائر من كتابي التوراة والإِنجيل طائفة من أهل البحث والعلم في القديم والحديث ، وبينوا وجه انطباقها على حال النبي صلى الله عليه وسلم بحيث لا تأخذ الناظر الطالب للحق ريبة في أنه الرسول الذي بشرت الأنبياء بمبعثه وعموم رسالته ، ومن هذه البشائر ما جاء في سفر التثنية من التوراة ( أقيم لهم من وسط إخواتهم مثلك ، وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به ) .

والنبي المماثل لموسى - عليه السلام - في الرسالة والشريعة المستأنفة هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم وإخوة بني إسرائيل هم العرب ، لأنهما يجتمعان في إبراهيم - عليه السلام - وقوله : " وأجعل كلامي في فمه ، يوافق حال النبي صلى الله عليه وسلم من الأمية وعدم تعاطي الكتابة " .

ثم ختمت الآية بالوعيد الشديد لهم على مزاعمهم الباطلة ، فقال تعالى : { وَمَا الله بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } .

الغفلة : السهو والنسيان ، والمراد أنه - سبحانه - محيط بأعمال هؤلاء الذين كتموا الحق ، لا تخفى عليه منها خافية وسيحاسبهم عليها حسابا عسيراً ، ويعاقبهم على مزاعمهم الباطلة عقاباً أليماً ، فالجملة الكريمة تهديد ووعيد لأهل الكتاب .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَمۡ تَقُولُونَ إِنَّ إِبۡرَٰهِـۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطَ كَانُواْ هُودًا أَوۡ نَصَٰرَىٰۗ قُلۡ ءَأَنتُمۡ أَعۡلَمُ أَمِ ٱللَّهُۗ وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَٰدَةً عِندَهُۥ مِنَ ٱللَّهِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ} (140)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ أَمْ تَقُولُونَ إِنّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ كَانُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَىَ قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ }

قال أبو جعفر : في قراءة ذلك وجهان أحدهما : { أمْ تَقُولُونَ } بالتاء ، فمن قرأ كذلك فتأويله : قل يا محمد للقائلين لك من اليهود والنصارى «كونوا هودا أو نَصارى تهتدوا » : أتجادلوننا فِي اللّهِ أمْ تَقُولُونَ إن إبْرَاهِيم ؟ فيكون ذلك معطوفا على قوله :

{ أتُحاجّونَنَا في اللّهِ } . والوجه الاَخر منهما «أمْ يَقُولُونَ » بالياء . ومن قرأ ذلك كذلك وجه قوله : «أمْ يَقُولُونَ » إلى أنه استفهام مستأنف ، كقوله : أمْ يَقُولُونَ افتَرَاه وكما يقال : إنها لإبل أم شاء . وإنما جعله استفهاما مستأنفا لمجيء خبر مستأنف ، كما يقال : أتقوم أم يقوم أخوك ؟ فيصير قوله : «أم يقوم أخوك » خبرا مستأنفا لجملة ليست من الأول واستفهاما مبتدأ . ولو كان نسقا على الاستفهام الأوّل لكان خبرا عن الأوّل ، فقيل : أتقوم أم تقعد . وقد زعم بعض أهل العربية أن ذلك إذا قرىء كذلك بالياء ، فإن كان الذي بعد ( أم ) جملة تامة فهو عطف على الاستفهام الأول لأن معنى الكلام : قيل أيّ هذين الأمرين كائن ، هذا أم هذا ؟ .

والصواب من القراءة عندنا في ذلك : أمْ تَقُولُونَ بالتاء دون الياء عطفا على قوله : قُلْ أتُحاجّونَنَا بمعنى : أيّ هذين الأمرين تفعلون ؟ أتجادلوننا في دين الله ، فتزعمون أنكم أولى منا ، وأهدى منا سبيلاً ، وأمرنا وأمركم ما وصفنا على ما قد بيناه أيضا ، أم تزعمون أن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ومن سمى الله كانوا هودا أو نصارى على ملتكم ، فيصحّ للناس بَهْتكم وكذبكم لأن اليهودية والنصرانية حدثت بعد هؤلاء الذين سماهم الله من أنبيائه ، وغير جائزة قراءة ذلك بالياء لشذوذها عن قراءة القراء .

وهذه الآية أيضا احتجاج من الله تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم على اليهود والنصارى الذين ذكر الله قصصهم . يقول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد لهؤلاء اليهود والنصارى : أتحاجوننا في الله ، وتزعمون أن دينكم أفضل من ديننا ، وأنكم على هدى ونحن على ضلالة ببرهان من الله تعالى ذكره فتدعوننا إلى دينكم ؟ فهاتوا برهانكم على ذلك فنتبعكم عليه أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى على دينكم ؟ فهاتوا على دعواكم ما ادّعيتم من ذلك برهانا فنصدّقكم فإن الله قد جعلهم أئمة يقتدى بهم . ثم قال تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم : قل لهم يا محمد إن ادّعوا أن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى : أأنتم أعلم بهم وبما كانوا عليه من الأديان أم الله ؟

القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَنْ أَظْلَمَ مِمّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللّهِ } .

يعني : فإن زَعَمَتْ يا محمد اليهودُ والنصارى الذين قالوا لك ولأصحابك كونوا هودا أو نصارى ، أن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى ، فمن أظلم منهم ؟ يقول : وأيّ امرىء أظلم منهم وقد كتموا شهادة عندهم من الله بأن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا مسلمين ، فكتموا ذلك ونحلوهم اليهودية والنصرانية .

واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : { وَمَنْ أظْلَمَ مِمّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللّهِ } قال : في قول يهود لإبراهيم وإسماعيل ومن ذكر معهما إنهم كانوا يهودا أو نصارى . فيقول الله : لا تكتموا مني شهادة إن كانت عندكم فيهم . وقد علم أنهم كاذبون .

حدثني المثنى قال : أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَمَنْ أَظْلَمَ مِمّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللّهِ } ، في قول اليهود لإبراهيم وإسماعيل ومن ذكر معهما إنهم كانوا يهودا أو نصارى . فقال الله لهم : لا تكتموا مني الشهادة فيهم إن كانت عندكم فيهم . وقد علم الله أنهم كانوا كاذبين .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني إسحاق ، عن أبي الأشهب ، عن الحسن أنه تلا هذه الآية : { أمْ تَقُولُونَ إنْ إبْرَاهِيمَ وَإسْمَاعِيلَ } إلى قوله : { قُلْ أأنْتُمْ أعْلَم أمِ الله وَمَنْ أظْلَمَ مِمّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ الله } قال الحسن : والله لقد كان عند القوم من الله شهادة أن أنبياء بُرآء من اليهودية والنصرانية ، كما أن عند القوم من الله شهادة أن أموالكم ودماءكم بينكم حرام ، فبم استحلوها ؟ .

حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : { وَمَنْ أظْلَمَ مِمنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللّهِ } : أهل الكتاب ، كتموا الإسلام وهم يعلمون أنه دين الله ، وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل : أنهم لم يكونوا يهود ولا نصارى ، وكانت اليهودية والنصرانية بعد هؤلاء بزمان . وأنه عنى تعالى ذكره بذلك أن اليهود والنصارى إن ادّعوا أن إبراهيم ومن سُمي معه في هذه الآية كانوا هودا أو نصارى ، تبيّن لأهل الشرك الذين هم نصراؤهم كذبهم وادّعاءهم على أنبياء الله الباطلَ لأن اليهودية والنصرانية حدثت بعدهم ، وإن هم نفوا عنهم اليهودية والنصرانية ، قيل لهم : فهلموا إلى ما كانوا عليه من الدين ، فإنّا وأنتم مقرّون جميعا بأنهم كانوا على حقّ ، ونحن مختلفون فيما خالف الدين الذي كانوا عليه .

وقال آخرون : بل عنى تعالى ذكره بقوله : { وَمَنْ أظْلَمَ مِمّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللّهِ } : اليهود في كتمانهم أمر محمد صلى الله عليه وسلم ونبوّته ، وهم يعلمون ذلك ويجدونه في كتبهم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { أمْ تَقُولُونَ إنّ إبْرَاهِيمَ وإسمَاعِيلَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْباطَ كانُوا هُودا أوْ نَصَارَى } أولئك أهل الكتاب كتموا الإسلام وهم يعلمون أنه دين الله ، واتخذوا اليهودية والنصرانية ، وكتموا محمدا صلى الله عليه وسلم وهم يعلمون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة قوله : وَمَنْ أَظْلَمُ مِمّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عنْدَهُ مِنَ اللّهِ قال : الشهادة النبيّ صلى الله عليه وسلم مكتوب عندهم ، وهو الذي كتموا .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، نحو حديث بشر بن معاذ عن يزيد .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { وَمَنْ أظْلَمُ مِمّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللّهِ } قال : هم يهودُ يسألون عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وعن صفته في كتاب الله عندهم ، فيكتمون الصفة .

وإنما اخترنا القول الذي قلناه في تأويل ذلك لأن قوله تعالى ذكره : { وَمَنْ أظْلَمُ مِمّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ الله } في أثر قصة من سمى الله من أنبيائه ، وأمام قصته لهم . فأولى بالذي هو بين ذلك أن يكون من قصصهم دون غيره .

فإن قال قائل : وأية شهادة عند اليهود والنصارى من الله في أمر إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ؟ قيل : الشهادة التي عندهم من الله في أمرهم ، ما أنزل الله إليهم في التوراة والإنجيل ، وأمرهم فيها بالاستنان بسنّتهم واتباع ملتهم ، وأنهم كانوا حنفاء مسلمين . وهي الشهادة التي عندهم من الله التي كتموها حين دعاهم نبيّ الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام ، فقالوا له : لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى وقالوا له ولأصحابه : كُونوا هودا أو نصارى تهتدوا . فأنزل الله فيهم هذه الاَيات في تكذيبهم وكتمانهم الحقّ ، وافترائهم على أنبياء الله الباطل والزور .

القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَا اللّهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ } .

يعني تعالى ذكره بذلك : وقل لهؤلاء اليهود والنصارى الذين يحاجونك يا محمد : { وَما اللّهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ } من كتمانكم الحقّ فيما ألزمكم في كتابه بيانه للناس ، من أمر إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط في أمر الإسلام ، وأنهم كانوا مسلمين ، وأن الحنيفية المسلمة دينُ الله الذي على جميع الخلق الدينونة به دون اليهودية والنصرانية وغيرهما من الملل . ولا هو ساهٍ عن عقابكم على فعلكم ذلك ، بل هو مُحْصٍ عليكم حتى يجازيكم به من الجزاء ما أنتم له أهل في عاجل الدنيا وآجل الاَخرة . فجازاهم عاجلاً في الدنيا بقتل بعضهم وإجلائه عن وطنه وداره ، وهو مجازيهم في الاَخرة العذابَ المهين .