غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ سَيَجۡعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحۡمَٰنُ وُدّٗا} (96)

66

ثم أجمل حال المؤمنين بما لا مزيد عليه في باب الكرامة قائلاً { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودّاً } أي سيحدث لهم في القلوب مودّة من غير ما سبب من الأسباب المعهودة كقرابة أو اصطناع وذلك كما يقذف في قلوب أعدائهم الرعب . والسين إما لأن السورة مكية وكان المؤمنون حينئذ ممقوتين بين الكفرة فوعدهم الله المودة بين الناس عند إظهار الإسلام ، وإما أن يكون ذلك يوم القيامة يحببهم إلى خلقه بما يعرض من حسناتهم . وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي : " يا عليّ قل اللَّهم اجعل لي عندك عهداً واجعل لي في صدور المؤمنين مودّة " ، فأنزل الله تعالى هذه الآية . وعن ابن عباس : يعني يحبهم الله ويحببهم إلى خلقه . وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل : " يا جبرائيل قد أحببت فلاناً فأحبه فيحبه جبريل ثم ينادي في أهل السماء : إن الله قد أحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء ، ثم يوضع له القبول في الأرض " وعن قتادة : ما أقبل العبد إلى الله عز وجل إلا أقبل الله بقلوب العباد إليه . وعن كعب قال : مكتوب في التوراة : لا محبة لأحد في الأرض حتى يكون ابتداؤها من الله تعالى ينزلها على أهل السماء ثم على أهل الأرض ، وتصديق ذلك في القرآن { سيجعل لهم الرحمن ودّاً } هذا قول جمهور المفسرين . وعن أبي مسلم أن المراد أنه سهب لهم في الجنة ما يحبون ، واستعمال المصدر بمعنى المفعول كثير . وإنما صار إلى هذا القول لأن المسلم التقي يبغضه الكفار وقد يبغضه المسلمون أكثرهم ، وقد يحصل مثل هذه المحبة للكفار والفساق فيكونون مرزوقين بميل الناس إلى اختلاطهم ومحبتهم فكيف يمكن جعله إنعاماً في حق المؤمنين . وأيضاً إن محبتهم في قلوبهم من فعلهم لا من فعل الله ، فحمل الكلام على إعطاء المنافع به أولى . وأجيب بأن المراد محبة الملائكة والأنبياء والصالحين ومثل هذه لا تحصل للكافر والفاسق ، وبأنه محمول على فعل الألطاف وخلق داعية إكرامه في قلوبهم .

/خ98