غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنۡهَا مَن لَّا يُؤۡمِنُ بِهَا وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ فَتَرۡدَىٰ} (16)

1

ومعنى الفاء في { فلا يصدّنك } أنه إذا صح عندك أني أخبرتك بإتيان الساعة فلا تلتفت إلى قول المخالف الذي يصدك عن التصديق بالساعة ، لأن قوله ناشىء عن الهوى واتباعه . وجوّز أبو مسلم أن يكون الضمير في { عنها } للصلاة . والعرب تذكر شيئين لم ترمي بضميرهما إلى السامع اعتماداً على أنه يرد كلاً منهما إلى ما هو له ، وزيف بأن هذا إنما يصار إليه عند الضرورة ولا ضرورة هنا . وأما الخطاب فالظاهر أنه لموسى لأن الكلام أجمع معه . وجوّز بعضهم أن يكون لنبينا عليه السلام والمقصود الأمة ، والنهي عن الصد في الظاهر لمن لا يؤمن بالساعة وهو بالحقيقة نهي لموسى عن التكذيب . والوجه فيه أن صد الكافر عن التصديق سبب للتكذيب فذكر السبب ليدل على المسبب ، أو صدّ الكافر مسبب عن رخاوة الرجل في الدين ولين شكيمته فذكر المسبب ليدل على السبب كأنه قيل : كن في الدنيا صلباً حتى لا يطمع في إغوائك الكافر . والذي دعا إلى هذا النهي البالغ في معناه هو أن في المبطلين والجاحدين كثرة وهي مزلة قدم فعلى المرء أن يكون مع المحقين وإن قلوا لا مع غيرهم وإن كثروا . وفيه حث بليغ على العمل بالدليل وزجر قويّ عن التقليد وإنذار بأن الردى والهلاك مع اتباع الهوى . وههنا استدل الأصوليون على شرف علمهم ووجوب تعلمه كيلا يتمكن الخصم من تشكيكه . وزعم القاضي أن في نسبة الصد إلى الكافر بالبعث دليلاً على أن القبائح إنما تصدر عن العباد . وعورض بالعلم والداعي كما مر مراراً . قال أهل التحقيق : قوله أوّلاً لموسى { اخلع نعليك } إشارة إلى التخلية وتطهير لوح الضمير عن الأغيار وما بعده إشارات إلى التحلية وتحصيل ما ينبغي تحصيلة . وأصول ذلك ترجع إلى علم المبدأ وهو قوله { إني أنا الله } وإلى علم الوسط وهو قوله { فاعبدني } وإنه مشتمل على الأعمال الجسمانية . وقوله { لذكري } وهو مشتمل الأعمال الروحانية وإلى علم المعاد وذلك قوله { إن الساعة آتية } . وأيضاً إنه افتتح الخطاب بقوله { وأنا اخترتك } وهو غاية اللطف ، وختم الكلام بقوله { فلا يصدّنك } إلى آخره وهو قهر تنبيهاً على أن رحمته سبقت غضبه ، وأن العبد لا بد أن يكون سلوكه على قدمي الرجاء والخوف .

/خ36