غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَمَا تِلۡكَ بِيَمِينِكَ يَٰمُوسَىٰ} (17)

1

قوله { وما تلك } مبتدأ وخبر و{ بيمينك } حال منتصب بمعنى الإشارة أو الاستفهام . وجوّز الكوفيون أن يكون { تلك } اسماً موصولاً صلته { بيمينك } أي ما التي بيمينك . قيل : لم يقل بيدك لأنه يحتمل أن يكون في يساره خاتم أو شيء آخر وكان يلتبس عليه الجواب .

أسئلة : ما الفائدة في هذا السؤال ؟ جوابه أن الصانع الماهر إذا أراد أن يظهر من الشيء الحقير كقطعة من حديد شيئاً شريفاً كاللبوس المسرد عرضه على الحاضرين ويقول ما هذا حتى إنه بعد إظهار صنعته يلزمهم بقولهم ويقول : خذوا هذا من ذلك الذي قلتم فكأنه سبحانه قال لموسى : هل تعرف حقيقة ما في يمينك وأنه خشبة يابسة حتى إذا قلبه ثعباناً عظيماً كان قد نبهه على كمال قدرته الباهرة . وقال أهل الخطابة : إنه سبحانه لما أطلعه على تلك الأنوار المتصاعدة من الشجرة إلى السماء ، وأسمعه تسبيح الملائكة ثم أسمعه كلام نفسه ممازجاً باللطف والقهر والتكاليف تحير موسى ودهش وكاد لا يعرف اليمين من الشمال فقيل له { وما تلك بيمنك يا موسى } ليعرف موسى أن يمينه هي التي فيها العصا . وأيضاً إنه لما تكلم معه بالكلم الإلهية وقرب موسى أن يدهش تكلم معه بكلام البشر إزالة لتلك الدهشة والحيرة لا لأن المسؤول عنه مما يقع فيه الغلط كما أن السائل لا يجوز عليه الغلط نظيره حال المؤمن في القبر يغلبه الوجل والخجل فيسأل عن أمر لا يشك فيه في الدنيا وهو التوحيد دفعاً للإيحاش وجلباً للاستئناس . وأيضاً لما عرف موسى كمال الإلهية أراد أن يعرفه نقصان البشرية فسأله عن منافع العصا فذكر ما ذكر ، فعرّفه الله تعالى أن فيها منافع أجل مما ذكر تنبيهاً على أن عقول البشر قاصرة عن خفيات الأمور لولا التوفيق والإرشاد . آخر : خاطب موسى بلا واسطة خاطب محمداً صلى الله عليه وسلم بواسطة جبرائيل ، فيلزم أن يكون موسى أفضل . وجوابه المنع بدليل { فأوحى إلى عبده ما أوحى } [ النجم : 10 ] وبيان الأفضلية أن كلامه مع موسى لم يكن سراً وكلامه مع محمد سر لم يستأهل له سواه . وأيضاً حصل لأمته في الدنيا شرف التكليم ؛ المصلي يناجي ربه ، وفي الآخرة شرف التسليم والتسليم { سلامٌ قولاً من ربٍ رحيمٍ } [ يس : 58 ] . وأيضاً إن موسى كان عند استغراقه في بحر المحبة متعلقاً بالعصا ومنافعها ، ومحمد عليه السلام لم يلتفت إلى الكونين حين عرضا عليه { ما زاغ البصر وما طغى } [ النجم : 17 ] بل كان فانياً عن الأغيار باقياً بالواحد القهار ولهذا لم يزد في الثناء حينئذٍ على قوله " أنت كما أثنيت على نفسك " .

وههنا نكت منها : أنه سبحانه لما أشار إلى العصا واليد بقوله { وما تلك بيمينك يا موسى } حصل في كل منهما برهان باهر ومعجز ماهر فصار أحدهما - وهو الجماد - حيواناً والآخر - وهو الكثيف - نورانياً لطيفاً .

ثم إنه تعالى ينظر في كل يوم ثلثمائة وستين نظرة إلى قلب العبد فأي عجب أن ينقلب قلبه الجامد المظلم حياً مستنيراً . ومنها أن العصا صارت بين يمين موسى حياً فكيف لا يصير قلب المؤمن الذي هو بين أصبعين من أصابع الرحمان حياً ! ومنها أن العصا بإشارة واحدة صارت بحيث ابتلعت سحر السحرة كلهم فقلب المؤمن أولى أن يصير بمدد نظر الرب في كل يوم مرات بحيث يبتلع سحر النفس الأمارة بالسوء .

/خ36