ثم إن جواب موسى عليه السلام يتم بقوله { هي عصاي } إلا أنه زاد على ذلك لأنه كان يحب المكالمة وكان المقام مقام انبساط وقرب فاغتنم الفرصة وجعل ذلك كالوسيلة إلى درك الغرض . وقيل : هو جواب سؤال آخر كأنه سئل فما تصنع بها فأخذ في ذكر منافعها . وقيل : خاف أن ينكر عليه استصحاب العصا كالنعلين . ومعنى { أتوكأ عليها } أغتمد عليها إذا أعييت أو وقفت على رأس القطيع وعند الطفرة والتركيب يدور على الشد والإيثاق . { وأهش بها } أي أخبط الورق بها على رؤوس غنمي لتأكله . والتركيب يدل على الرخاوة واللين ومنه " رجل هش المكسر " أي سهل الشأن فيما يطلب من الحوائج وهو مدح " وهش الخبز " يهش بالكسر إذا كان ينكسر لرخاوته . قال المحققون : إن موسى عليه السلام كان يتوكأ على العصا ومحمد صلى الله عليه وسلم كان يتكل على فضل الله ورحمته قائلاً مع أمته { حسبنا الله ونعم الوكيل } [ آل عمران : 173 ] فورد في حقه { حسبك وحسب من اتبعك من المؤمنين }
[ الأنفال : 64 ] أي حسبك وحسب من اتبعك . وأيضاً إنه بدأ بمصالح نفسه في قوله { أتوكأ عليها } ثم بمصالح رعيته بقوله { وأهش بها على غنمي } ومحمد صلى الله عليه وسلم لم يشتغل في الدنيا إلا بإصلاح أمر أمته { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم }
[ الأنفال : 33 } " اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون " فلا جرم يقول موسى يوم القيامة " نفسي نفسي " ومحمد يقول " أمتي أمتي " . ثم قال { ولي فيها مآرب } هي جمع المأربة بضم الراء الحاجة وقد تفتح الراء . وحكى ابن الأعرابي وقطرب بكسر الراء أيضاً ومثله الأرب بفتحتين والإربة بكسر الهمزة وسكون الراء . وإنما قال { أخرى } لأن المآرب في معنى جماعة ونظيره الأسماء الحسنى . ومن آياتنا الكبرى قالوا : إنما أجمل موسى ليسأله عن تلك المآرب فتطول مكالمته وقالوا : انقطع بالهيبة كلامه فأجمل . وقيل : في المآرب كانت ذات شعبتين ومحجن فإذا طال الغصن حناه بالمحجن ، وإذا طلب كسره لواه بالشعبتين ، وإذا سار ألقاها على عاتقه فعلق بها أدواته من القوس والكنانة والجراب وغيرها ، وإذا كان في البرية ركزها وعرض الزندين على شعبتيها وألقى عليها الكساء واستظل ، وإذا قصر رشاؤه وصله بها ، وكان يقاتل بها السباع عن غنمه . وقيل : إن موسى عليه السلام كان أحس بأنه تعالى إنما سأله عن أمر العصا لمنافع عظيمة فقال : إلهي ما هذه العصا إلا كغيرها ولكنك لما سألت عنها وكلمتني بسببها عرفت أن لي فيها مآرب أخرى . وقيل : كان فيها من المعجزات أنه كان يستقي بها فتطول بطول البئر وتصير شعبتاها دلواً وتكونان شمعتين بالليل . وإذا ظهر عدوّ حاربت عنه ، وإذا اشتهى ثمرة ركزها فأورقت وأثمرت ، وكان يحمل عليها زاده وسقاءه فجعلت تماشيه ويركزها فينبع الماء فإذا رفعها نضب ، وكانت تقيه الهوام . قلت : هذه الخوارق إن كانت بعد نبوة موسى فلا كلام ، وإن كانت قبلها ففي صحة الرواية بُعْدٌ وإلا كان الأنسب تقديمها عند تعدد المنافع . وعلى تقدير صحتها فلعلها إرهاص أو من معجزات شعيب على ما يروى أنه كان قد أعطاها إياه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.