غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّؤُاْ عَلَيۡهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَـَٔارِبُ أُخۡرَىٰ} (18)

1

ثم إن جواب موسى عليه السلام يتم بقوله { هي عصاي } إلا أنه زاد على ذلك لأنه كان يحب المكالمة وكان المقام مقام انبساط وقرب فاغتنم الفرصة وجعل ذلك كالوسيلة إلى درك الغرض . وقيل : هو جواب سؤال آخر كأنه سئل فما تصنع بها فأخذ في ذكر منافعها . وقيل : خاف أن ينكر عليه استصحاب العصا كالنعلين . ومعنى { أتوكأ عليها } أغتمد عليها إذا أعييت أو وقفت على رأس القطيع وعند الطفرة والتركيب يدور على الشد والإيثاق . { وأهش بها } أي أخبط الورق بها على رؤوس غنمي لتأكله . والتركيب يدل على الرخاوة واللين ومنه " رجل هش المكسر " أي سهل الشأن فيما يطلب من الحوائج وهو مدح " وهش الخبز " يهش بالكسر إذا كان ينكسر لرخاوته . قال المحققون : إن موسى عليه السلام كان يتوكأ على العصا ومحمد صلى الله عليه وسلم كان يتكل على فضل الله ورحمته قائلاً مع أمته { حسبنا الله ونعم الوكيل } [ آل عمران : 173 ] فورد في حقه { حسبك وحسب من اتبعك من المؤمنين }

[ الأنفال : 64 ] أي حسبك وحسب من اتبعك . وأيضاً إنه بدأ بمصالح نفسه في قوله { أتوكأ عليها } ثم بمصالح رعيته بقوله { وأهش بها على غنمي } ومحمد صلى الله عليه وسلم لم يشتغل في الدنيا إلا بإصلاح أمر أمته { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم }

[ الأنفال : 33 } " اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون " فلا جرم يقول موسى يوم القيامة " نفسي نفسي " ومحمد يقول " أمتي أمتي " . ثم قال { ولي فيها مآرب } هي جمع المأربة بضم الراء الحاجة وقد تفتح الراء . وحكى ابن الأعرابي وقطرب بكسر الراء أيضاً ومثله الأرب بفتحتين والإربة بكسر الهمزة وسكون الراء . وإنما قال { أخرى } لأن المآرب في معنى جماعة ونظيره الأسماء الحسنى . ومن آياتنا الكبرى قالوا : إنما أجمل موسى ليسأله عن تلك المآرب فتطول مكالمته وقالوا : انقطع بالهيبة كلامه فأجمل . وقيل : في المآرب كانت ذات شعبتين ومحجن فإذا طال الغصن حناه بالمحجن ، وإذا طلب كسره لواه بالشعبتين ، وإذا سار ألقاها على عاتقه فعلق بها أدواته من القوس والكنانة والجراب وغيرها ، وإذا كان في البرية ركزها وعرض الزندين على شعبتيها وألقى عليها الكساء واستظل ، وإذا قصر رشاؤه وصله بها ، وكان يقاتل بها السباع عن غنمه . وقيل : إن موسى عليه السلام كان أحس بأنه تعالى إنما سأله عن أمر العصا لمنافع عظيمة فقال : إلهي ما هذه العصا إلا كغيرها ولكنك لما سألت عنها وكلمتني بسببها عرفت أن لي فيها مآرب أخرى . وقيل : كان فيها من المعجزات أنه كان يستقي بها فتطول بطول البئر وتصير شعبتاها دلواً وتكونان شمعتين بالليل . وإذا ظهر عدوّ حاربت عنه ، وإذا اشتهى ثمرة ركزها فأورقت وأثمرت ، وكان يحمل عليها زاده وسقاءه فجعلت تماشيه ويركزها فينبع الماء فإذا رفعها نضب ، وكانت تقيه الهوام . قلت : هذه الخوارق إن كانت بعد نبوة موسى فلا كلام ، وإن كانت قبلها ففي صحة الرواية بُعْدٌ وإلا كان الأنسب تقديمها عند تعدد المنافع . وعلى تقدير صحتها فلعلها إرهاص أو من معجزات شعيب على ما يروى أنه كان قد أعطاها إياه .

/خ19

/خ36