غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{إِنَّنِيٓ أَنَا ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعۡبُدۡنِي وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكۡرِيٓ} (14)

1

ثم قال { إنني أنا الله لا إله إلا أنا } ورتب عليه { فاعبدني } ليعلم أن عبادته إنما لزمت لإلهيته ومن هنا قال العلماء : إن الله معناه المستحق للعبادة . قال الأصوليون : تأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز ولكن عن وقت الخطاب جائز لأنه أمره بالعبادة ولم يذكر كيفيتها . وأيضاً قال { وأقم الصلاة } ولم يبين هيئاتها . أجاب القاضي عن هذا الأخير بأنه لا يمتنع أن موسى عليه السلام عد عرف الصلاة التي تعبد الله بها شعيباً وغيره من الأنبياء ، فكان الخطاب متوجهاً إلى ذلك ، وزيف بأن حمل الخطاب متوجهاً على التأسيس أولى قال : قد بين له ولكن لم يحك الله تعالى سوى هذا القدر .

ورد بأن البيان أكثر فائدة من المجمل ، فلو كان مذكوراً لكان أولى بالحكاية . ولقائل أن يقول : سلمنا أن المبين أكثر فائدةً للمخاطب ، ولكن لا نسلم أن حكاية المبين أولى فلعل حكاية المجمل تكفي لغيره لصيرورة بعض هيئات ذلك التكليف منسوخاً وإن كان أصله باقياً .

وفي قوله { لذكري } وجوه . لأن اللام إما بمعنى الوقت أو هي للتعليل . والذكر إما بالجنان أو هو ضد النسيان . وياء المتكلم فاعل في الأصل أو مفعول . وهل يحتمل الكلام تقدير مضاف أم لا ؟ . ولمثل هذه الاعتبارات تعددت الوجوه فمنها : أن اللام للتعليل والياء منصوب أي لتذكرني فإن ذكري أن أعبد ويصلى لي ، أو أراد لتذكرني في الصلاة لاشتمالها على الأذكار . عن مجاهد : والفرق أن إطلاق الذكر على العبادة والصلاة في الأول حقيقة شرعية ، وفي الثاني مجاز . أو نقول : في الأول تكون نفس الصلاة مطلوبة بالذات ، وفي الثاني تكون مطلوبة بعرض الذكر ، أو أراد لذكري خاصة لا تشوبه بذكر غيري . ومنها أن المضاف مع ذلك محذوف أي لإخلاص ذكري وطلب وجهي . ومنها أن الياء فاعل أي لأني ذكرتها في الكتب وأمرت بها ، أو لأن أذكرك بالمدح والثنا وأجعل لك لسان صدق . ومنها أن اللام للوقت كقولك " جئتك لوقت كذا " أي لأوقات ذكري وهي مواقيت الصلاة . ومنها أن يحمل الذكر على ضد النسيان أي لتكون لي ذاكراً غير ناس فعل المخلصين في كونهم رطاب اللسان في جميع الأحيان بذكر مولى الأنعام ومولى الإحسان { رجالٌ لا تلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكر الله } [ النور : 37 ] وأراد ذكر الصلاة بعد نسيانها وكان حق العبارة أن يقال لذكرها كقوله صلى الله عليه وسلم " من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها " فلعل المضاف محذوف أي لذكر صلاتي ، أو ذكر الصلاة هو ذكر الله فالياء في الأصل منصوب ، أو الذكر والنسيان من الله عز وجلّ في الحقيقة فلياء فاعل . قال الشافعي : من فاتته صلاة يستحب أن يقضيها على ترتيب الأداء ولو ترك الترتيب جاز . ولو دخل عليه وقت فريضة وتذكر فائتة فإن كان في الوقت سعة يستحب أن يبدأ بالفائتة ، وإن بدأ بصلاة الوقت جاز إلا إذا ضاق الوقت فإنه يجب الابتداء بصلاة الوقت ، وإن تذكر الفائتة بعد ما شرع في صلاة الوقت أتمها ثم قضى الفائتة ، ويستحب أن يعيد صلاة الوقت بعدها . وقال أبو حنيفة : يجب الترتيب في قضاء الفوائت ما لم يتزيد على صلاة يوم وليلة حتى لو تذكر خلال صلاة الوقت بطلت إلا أن يكون الوقت ضيقاً فلا تبطل . حجة الشافعي ما روي في حديث قتادة أنهم ناموا عن صلاة الفجر ثم انتبهوا بعد طلوع الشمس فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يقودوا رواحلهم ثم صلاها ، ولو كان وقت الانتباه متعيناً للصلاة لما فعل كذلك . نعم إنه وقت لتقرير الوجوب عليه ثم الوقت موسع بعد ذلك . حجة أبي حنيفة قوله تعالى { أقم الصلاة لذكري } وقوله صلى الله عليه وسلم " فليصلها " إذا ذكرها " وفي حديث جابر أن عمر جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق يسب كفار قريش ويقول : يا رسول الله ما صليت صلاة العصر حتى كادت تغيب الشمس . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " وأنا والله ما صليتها بعد . " قال : فنزل في البطحاء وصلى العصر بعد ما غابت الشمس ثم صلى المغرب بعدها . وأما القياس فهما صلاتان فريضتان جمعهما وقت واحد في اليوم والليلة فأشبهتا صلاتي عرفة ومزدلفة . فلما لم يجز إسقاط الترتيب فيهما وجب أن يكون كذلك حكم الفوائت فيما دون اليوم والليلة ، وأما إذا دخل في حد الكثرة فيسقط هذا الترتيب .

/خ36