ثم قال { إنني أنا الله لا إله إلا أنا } ورتب عليه { فاعبدني } ليعلم أن عبادته إنما لزمت لإلهيته ومن هنا قال العلماء : إن الله معناه المستحق للعبادة . قال الأصوليون : تأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز ولكن عن وقت الخطاب جائز لأنه أمره بالعبادة ولم يذكر كيفيتها . وأيضاً قال { وأقم الصلاة } ولم يبين هيئاتها . أجاب القاضي عن هذا الأخير بأنه لا يمتنع أن موسى عليه السلام عد عرف الصلاة التي تعبد الله بها شعيباً وغيره من الأنبياء ، فكان الخطاب متوجهاً إلى ذلك ، وزيف بأن حمل الخطاب متوجهاً على التأسيس أولى قال : قد بين له ولكن لم يحك الله تعالى سوى هذا القدر .
ورد بأن البيان أكثر فائدة من المجمل ، فلو كان مذكوراً لكان أولى بالحكاية . ولقائل أن يقول : سلمنا أن المبين أكثر فائدةً للمخاطب ، ولكن لا نسلم أن حكاية المبين أولى فلعل حكاية المجمل تكفي لغيره لصيرورة بعض هيئات ذلك التكليف منسوخاً وإن كان أصله باقياً .
وفي قوله { لذكري } وجوه . لأن اللام إما بمعنى الوقت أو هي للتعليل . والذكر إما بالجنان أو هو ضد النسيان . وياء المتكلم فاعل في الأصل أو مفعول . وهل يحتمل الكلام تقدير مضاف أم لا ؟ . ولمثل هذه الاعتبارات تعددت الوجوه فمنها : أن اللام للتعليل والياء منصوب أي لتذكرني فإن ذكري أن أعبد ويصلى لي ، أو أراد لتذكرني في الصلاة لاشتمالها على الأذكار . عن مجاهد : والفرق أن إطلاق الذكر على العبادة والصلاة في الأول حقيقة شرعية ، وفي الثاني مجاز . أو نقول : في الأول تكون نفس الصلاة مطلوبة بالذات ، وفي الثاني تكون مطلوبة بعرض الذكر ، أو أراد لذكري خاصة لا تشوبه بذكر غيري . ومنها أن المضاف مع ذلك محذوف أي لإخلاص ذكري وطلب وجهي . ومنها أن الياء فاعل أي لأني ذكرتها في الكتب وأمرت بها ، أو لأن أذكرك بالمدح والثنا وأجعل لك لسان صدق . ومنها أن اللام للوقت كقولك " جئتك لوقت كذا " أي لأوقات ذكري وهي مواقيت الصلاة . ومنها أن يحمل الذكر على ضد النسيان أي لتكون لي ذاكراً غير ناس فعل المخلصين في كونهم رطاب اللسان في جميع الأحيان بذكر مولى الأنعام ومولى الإحسان { رجالٌ لا تلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكر الله } [ النور : 37 ] وأراد ذكر الصلاة بعد نسيانها وكان حق العبارة أن يقال لذكرها كقوله صلى الله عليه وسلم " من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها " فلعل المضاف محذوف أي لذكر صلاتي ، أو ذكر الصلاة هو ذكر الله فالياء في الأصل منصوب ، أو الذكر والنسيان من الله عز وجلّ في الحقيقة فلياء فاعل . قال الشافعي : من فاتته صلاة يستحب أن يقضيها على ترتيب الأداء ولو ترك الترتيب جاز . ولو دخل عليه وقت فريضة وتذكر فائتة فإن كان في الوقت سعة يستحب أن يبدأ بالفائتة ، وإن بدأ بصلاة الوقت جاز إلا إذا ضاق الوقت فإنه يجب الابتداء بصلاة الوقت ، وإن تذكر الفائتة بعد ما شرع في صلاة الوقت أتمها ثم قضى الفائتة ، ويستحب أن يعيد صلاة الوقت بعدها . وقال أبو حنيفة : يجب الترتيب في قضاء الفوائت ما لم يتزيد على صلاة يوم وليلة حتى لو تذكر خلال صلاة الوقت بطلت إلا أن يكون الوقت ضيقاً فلا تبطل . حجة الشافعي ما روي في حديث قتادة أنهم ناموا عن صلاة الفجر ثم انتبهوا بعد طلوع الشمس فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يقودوا رواحلهم ثم صلاها ، ولو كان وقت الانتباه متعيناً للصلاة لما فعل كذلك . نعم إنه وقت لتقرير الوجوب عليه ثم الوقت موسع بعد ذلك . حجة أبي حنيفة قوله تعالى { أقم الصلاة لذكري } وقوله صلى الله عليه وسلم " فليصلها " إذا ذكرها " وفي حديث جابر أن عمر جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق يسب كفار قريش ويقول : يا رسول الله ما صليت صلاة العصر حتى كادت تغيب الشمس . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " وأنا والله ما صليتها بعد . " قال : فنزل في البطحاء وصلى العصر بعد ما غابت الشمس ثم صلى المغرب بعدها . وأما القياس فهما صلاتان فريضتان جمعهما وقت واحد في اليوم والليلة فأشبهتا صلاتي عرفة ومزدلفة . فلما لم يجز إسقاط الترتيب فيهما وجب أن يكون كذلك حكم الفوائت فيما دون اليوم والليلة ، وأما إذا دخل في حد الكثرة فيسقط هذا الترتيب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.