غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{كُلُّ نَفۡسٖ ذَآئِقَةُ ٱلۡمَوۡتِۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوۡنَ أُجُورَكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۖ فَمَن زُحۡزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدۡخِلَ ٱلۡجَنَّةَ فَقَدۡ فَازَۗ وَمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا مَتَٰعُ ٱلۡغُرُورِ} (185)

176

ثم أكد التسلية بقوله : { كل نفس ذائقة الموت } لأن تذكر الموت واستحضاره مما يزيل الغموم والأشجان الدنيوية ، وكذا العلم بأن وراء هذه الدار داراً يتميز فيها المحسن عن المسيء ، ويرى كل منهما جزاء عمله . والمراد لكل نفس ذائقة الموت كل ذات . فالقضية لا يمكن إجراؤها على عمومها لاستثناء الله تعالى منها { تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك }[ المائدة :116 ] وكذا كل الجمادات لأن لها ذوات . ولقوله :{ فصعق من في السماوات من في الأرض إلا من شاء الله }[ الزمر :68 ] ولأنه لا موت ولا لأهل الجنة ولأهل النار . فالمراد المكلفون الحاضرون في دار التكليف ، والملائكة عند من يجوّز الموت عليهم . روي عن ابن عباس : لما نزل قوله تعالى :{ كل من عليها فان }[ الرحمن : 26 ] قالت الملائكة : مات أهل الأرض . فلما نزل { كل نفس ذائقة الموت } قالت الملائكة : متنا . وفي الآية دليل على أن المقتول ميت وعلى أن النفس باقية بعد البدن ، لأن الذائق لا بد أن يكون باقياً حال حصول الذوق . قالت الحكماء : الموت واجب الحصول عند هذه الحياة الجسمانية لأنها لا تحصل إلا بالرطوبة الغريزية والحرارة الغريزية ، ثم إن الحرارة الغريزية تؤثر في تقليل الرطوبة الغريزية . وإذا قلت : الرطوبة الغريزية ضعفت الحرارة الغريزية ، ولا يزال تستمر هذه الحالة إلى أن تفنى الرطوبة الأصلية فتنطفئ الحرارة الغريزية ويحصل الموت ، فبهذا الطريق كان الموت ضرورياً في هذه الحياة . قالوا : والأرواح المجردة لا موت لها ، وناقشهم المسلمون فيه { وإنما توفون أجوركم يوم القيامة } في ذكر التوفية إشارة إلى أن بعض الأجور يعطى قبل ذلك اليوم كما قال صلى الله عليه وسلم : " القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار " { فمن زحزح عن النار } الزح التنحية والإبعاد والزحزحة تكريره { فقد فاز } لم يقيد الفوز بشيء لأنه لا فوز وراء هذين الأمرين : الخلاص من العذاب والوصل إلى الثواب . فمن حصل له هذان فقد فاز الفوز المطلق المتناول لكل ما يفاز به . قال صلى الله عليه وسلم : " من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ويأتي إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه " فالأول رعاية حقوق الله ، والثاني محافظة حقوق العباد . ثم شبه الدنيا بالمتاع الذي يدلس به على المستام ويغرّ حتى يشتريه ثم يتبين له فساده ورداءته ، وذلك أن لذاتها تفنى وتبعاتها تبقى .

والغرور بالضم مصدر ، الغار المدلس هو الشيطان . عن علي بن أبي طالب : لين مسها قاتل سمها . وعن بعضهم : الدنيا ظاهرها مظنة السرور وباطنها مطية الشرور . وعن سعيد بن جبير : إنما هذا المن آثرها على الآخرة . فأما من طلب الآخرة بها فإنها متاع لاغ .

/خ189