ثم أكد التسلية بقوله : { كل نفس ذائقة الموت } لأن تذكر الموت واستحضاره مما يزيل الغموم والأشجان الدنيوية ، وكذا العلم بأن وراء هذه الدار داراً يتميز فيها المحسن عن المسيء ، ويرى كل منهما جزاء عمله . والمراد لكل نفس ذائقة الموت كل ذات . فالقضية لا يمكن إجراؤها على عمومها لاستثناء الله تعالى منها { تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك }[ المائدة :116 ] وكذا كل الجمادات لأن لها ذوات . ولقوله :{ فصعق من في السماوات من في الأرض إلا من شاء الله }[ الزمر :68 ] ولأنه لا موت ولا لأهل الجنة ولأهل النار . فالمراد المكلفون الحاضرون في دار التكليف ، والملائكة عند من يجوّز الموت عليهم . روي عن ابن عباس : لما نزل قوله تعالى :{ كل من عليها فان }[ الرحمن : 26 ] قالت الملائكة : مات أهل الأرض . فلما نزل { كل نفس ذائقة الموت } قالت الملائكة : متنا . وفي الآية دليل على أن المقتول ميت وعلى أن النفس باقية بعد البدن ، لأن الذائق لا بد أن يكون باقياً حال حصول الذوق . قالت الحكماء : الموت واجب الحصول عند هذه الحياة الجسمانية لأنها لا تحصل إلا بالرطوبة الغريزية والحرارة الغريزية ، ثم إن الحرارة الغريزية تؤثر في تقليل الرطوبة الغريزية . وإذا قلت : الرطوبة الغريزية ضعفت الحرارة الغريزية ، ولا يزال تستمر هذه الحالة إلى أن تفنى الرطوبة الأصلية فتنطفئ الحرارة الغريزية ويحصل الموت ، فبهذا الطريق كان الموت ضرورياً في هذه الحياة . قالوا : والأرواح المجردة لا موت لها ، وناقشهم المسلمون فيه { وإنما توفون أجوركم يوم القيامة } في ذكر التوفية إشارة إلى أن بعض الأجور يعطى قبل ذلك اليوم كما قال صلى الله عليه وسلم : " القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار " { فمن زحزح عن النار } الزح التنحية والإبعاد والزحزحة تكريره { فقد فاز } لم يقيد الفوز بشيء لأنه لا فوز وراء هذين الأمرين : الخلاص من العذاب والوصل إلى الثواب . فمن حصل له هذان فقد فاز الفوز المطلق المتناول لكل ما يفاز به . قال صلى الله عليه وسلم : " من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ويأتي إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه " فالأول رعاية حقوق الله ، والثاني محافظة حقوق العباد . ثم شبه الدنيا بالمتاع الذي يدلس به على المستام ويغرّ حتى يشتريه ثم يتبين له فساده ورداءته ، وذلك أن لذاتها تفنى وتبعاتها تبقى .
والغرور بالضم مصدر ، الغار المدلس هو الشيطان . عن علي بن أبي طالب : لين مسها قاتل سمها . وعن بعضهم : الدنيا ظاهرها مظنة السرور وباطنها مطية الشرور . وعن سعيد بن جبير : إنما هذا المن آثرها على الآخرة . فأما من طلب الآخرة بها فإنها متاع لاغ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.