غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{۞لَتُبۡلَوُنَّ فِيٓ أَمۡوَٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡ وَلَتَسۡمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُوٓاْ أَذٗى كَثِيرٗاۚ وَإِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ} (186)

176

{ لتبلون في أموالكم } اللام جواب القسم المقدر ، والنون دخلت مؤكدة ، وضمت الواو للساكنين ولما كان يجب لما قبلها من الضم . والمراد ما نالهم من الفقر والضر والقتل والجرح ، والتكاليف الشاقة البدينة والمالية من الصلاة والزكاة والصوم والجهاد ، والذي كانوا يسمعونه من الكفرة كالطعن في الدين الحنيف وأهليه ، وإغراء المخالفين وتحريضهم عليهم وإغواء المنافقين وتنفيرهم عنهم { وإن تصبروا } على ما ابتلاكم الله به { وتتقوا } المخالفة أو تصبروا على أداء الواجبات وتتقوا ارتكاب المحظورات { فإن ذلك } الصبر والتقوى { من عزم الأمور } من معزوماتها الذي لا يترخص العاقل في تركه لكونه حميد العاقبة بين الصواب ، أو هو من عزائم الله ومما ألزمكم الأخذ به . قال الواحدي : كان هذا قبل نزول آية القتال . وقال القفال : الظاهر أنها نزلت بعد قصة أحد فلا تكون منسوخة بآية السيف . والمراد الصبر على ما يؤذون به الرسول على طريق الأقوال الجارية فيما بينهم واستعمال مداراتهم من كثير من الأحوال . والأمر بالقتال لا ينافي الأمر بالمصابرة على هذا الوجه . عن كعب بن مالك أن كعب بن الأشرف اليهودي كان شاعراً وكان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم ويحرض عليه كفار قريش في شعره ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وأهلها أخلاط - المسلمون والمشركون واليهود - فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يستصلحهم كلهم . فكان المشركون واليهود يؤذونه ويؤذون أصحابه أشد الأذى ، فأمر الله نبيه بالصبر على ذلك فنزلت الآية . روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب على حمار وأردف أسامة بن زيد وراءه يعود سعد بن عبادة في بني الحرث بن خزرج قبل وقعة بدر حتى مر بمجلس فيه عبد الله بن أبي وذلك قبل أن يسلم عبد الله . فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين واليهود ، وفي المجلس عبد الله بن رواحة . فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمر عبد الله بن أبي أنفه بردائه وقال : لا تغبروا علينا . فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وقف . فنزل ودعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن . فقال عبد الله بن أبي : أيها المرء إنه لا أحسن مما تقول إن كان حقاً فلا تؤذنا به في مجالسنا . ارجع إلى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه . فقال عبد الله بن رواحة : بلى يا رسول الله فاغشنا به في مجالسنا فإنا نحب ذلك . فاستب المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتثاورون .

فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكنوا . ثم ركب النبي صلى الله عليه وسلم دابته فسار حتى دخل على سعد بن عبادة فقال له : يا سعد ألم تسمع ما قال أبو حباب - يريد عبد الله بن أبي ؟ قال : كذا وكذا . فقال سعد بن عبادة : يا رسول الله اعف عنه واصفح ، فوالذي أنزل عليك الكتاب لقد جاء الله بالحق الذي نزل عليك ، وقد اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يتوّجوه ويعصبوه بالعصابة ، فلما ردّ الله ذلك بالحق الذي أعطاكه شرق بذلك فعفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنزل الله هذه الآية .

/خ189