ثم لما بين كمال علمه أردفه ببيان كمال قدرته بقوله { وهو الذي يتوفاكم } أي يتوفى أنفسكم التي بها تقدرون على الإدراك والتمييز . وذلك أن الأرواح الجسمانية تغور حالة النوم من الظاهر إلى الباطن فتتعطل الحواس عن بعض الأعمال ، وأما عند الموت فتصير جملة البدن معطلة عن كل الأعمال فلهذا كان النوم أخا الموت فصح إطلاق لفظ الوفاة على النوم من هذا الوجه { ويعلم ما جرحتم } أي ما كسبتم من العمل بالنهار ومنه الجوارح للأعضاء وللسباع { ثم يبعثكم فيه } أي يردّ إليكم أرواحكم بالنهار { ليقضي أجل مسمى } أي أعماركم المكتوبة . وقضاء الأجل فصل مدة العمر من غيرها بالموت . ثم لما ذكر أنه يميتهم أولاً ثم يوقظهم ثانياً كان ذلك جارياً مجرى الإحياء بعد الإماتة فلا جرم استدل بذلك على صحة البعث في القيامة فقال { ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون } في ليلكم ونهاركم وجميع أحوالكم وأوقاتكم . واعلم أن في هذه الآية إشكالاً لأن قوله { ويعلم ما جرحتم بالنهار } كان ينبغي أن يكون بعد قوله { ثم يبعثكم فيه } فإن البعث في النهار مقدم على الكسب فيه بل على تعلق العلم بالكسب . ويمكن أن يجاب بأن المراد ويعلم ما جرحتم في النهار الماضي بدليل قوله { جرحتم } دون «تجرحون » ثم يبعثكم في النهار الآتي . والغرض بيان إحاطة علمه وقدرته بالزمانين المحيطين بالليل . ولعل صاحب الكشاف لمكان هذا الإشكال عدل عن هذا التفسير إلى أن قال : { وهو الذي يتوفاكم بالليل } والخطاب للكفرة أي أنتم منسدحون الليل كالحيف . والانسداح الانبطاح أو الاستلقاء { ويعلم ما جرحتم بالنهار } ما كسبتم من الآثام فيه { ثم يبعثكم } من القبور { فيه } أي في شأن ذلك الذي قطعتم به أعماركم من النوم بالليل وكسب الآثام في النهار ومن أجله كقولك : فيم دعوتني ؟ فيقول : في أمر كذا { ليقضي أجل مسمى } وهو الأجل الذي سماه وضربه لبعث الموتى وجزائهم على أعمالهم { ثم إليه مرجعكم } وهو المرجع إلى موقف الحساب . والأصوب عندي أن يقال : الخطاب عام ، وكذا الكسب في النهار فينبغي أن لا يقيد بالآثام . أما الضمير في { فيه } فيكون جارياً مجرى اسم الإشارة إلى الكسب . والبعث هو البعث من القبور إلى آخر ما قال والله علم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.