غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَهُوَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّىٰكُم بِٱلَّيۡلِ وَيَعۡلَمُ مَا جَرَحۡتُم بِٱلنَّهَارِ ثُمَّ يَبۡعَثُكُمۡ فِيهِ لِيُقۡضَىٰٓ أَجَلٞ مُّسَمّٗىۖ ثُمَّ إِلَيۡهِ مَرۡجِعُكُمۡ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (60)

51

ثم لما بين كمال علمه أردفه ببيان كمال قدرته بقوله { وهو الذي يتوفاكم } أي يتوفى أنفسكم التي بها تقدرون على الإدراك والتمييز . وذلك أن الأرواح الجسمانية تغور حالة النوم من الظاهر إلى الباطن فتتعطل الحواس عن بعض الأعمال ، وأما عند الموت فتصير جملة البدن معطلة عن كل الأعمال فلهذا كان النوم أخا الموت فصح إطلاق لفظ الوفاة على النوم من هذا الوجه { ويعلم ما جرحتم } أي ما كسبتم من العمل بالنهار ومنه الجوارح للأعضاء وللسباع { ثم يبعثكم فيه } أي يردّ إليكم أرواحكم بالنهار { ليقضي أجل مسمى } أي أعماركم المكتوبة . وقضاء الأجل فصل مدة العمر من غيرها بالموت . ثم لما ذكر أنه يميتهم أولاً ثم يوقظهم ثانياً كان ذلك جارياً مجرى الإحياء بعد الإماتة فلا جرم استدل بذلك على صحة البعث في القيامة فقال { ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون } في ليلكم ونهاركم وجميع أحوالكم وأوقاتكم . واعلم أن في هذه الآية إشكالاً لأن قوله { ويعلم ما جرحتم بالنهار } كان ينبغي أن يكون بعد قوله { ثم يبعثكم فيه } فإن البعث في النهار مقدم على الكسب فيه بل على تعلق العلم بالكسب . ويمكن أن يجاب بأن المراد ويعلم ما جرحتم في النهار الماضي بدليل قوله { جرحتم } دون «تجرحون » ثم يبعثكم في النهار الآتي . والغرض بيان إحاطة علمه وقدرته بالزمانين المحيطين بالليل . ولعل صاحب الكشاف لمكان هذا الإشكال عدل عن هذا التفسير إلى أن قال : { وهو الذي يتوفاكم بالليل } والخطاب للكفرة أي أنتم منسدحون الليل كالحيف . والانسداح الانبطاح أو الاستلقاء { ويعلم ما جرحتم بالنهار } ما كسبتم من الآثام فيه { ثم يبعثكم } من القبور { فيه } أي في شأن ذلك الذي قطعتم به أعماركم من النوم بالليل وكسب الآثام في النهار ومن أجله كقولك : فيم دعوتني ؟ فيقول : في أمر كذا { ليقضي أجل مسمى } وهو الأجل الذي سماه وضربه لبعث الموتى وجزائهم على أعمالهم { ثم إليه مرجعكم } وهو المرجع إلى موقف الحساب . والأصوب عندي أن يقال : الخطاب عام ، وكذا الكسب في النهار فينبغي أن لا يقيد بالآثام . أما الضمير في { فيه } فيكون جارياً مجرى اسم الإشارة إلى الكسب . والبعث هو البعث من القبور إلى آخر ما قال والله علم .

/خ60