مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{فَأَنجَيۡنَٰهُ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥ بِرَحۡمَةٖ مِّنَّا وَقَطَعۡنَا دَابِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَاۖ وَمَا كَانُواْ مُؤۡمِنِينَ} (72)

{ فأنجيناه والذين مَعَهُ } أي من آمن به { بِرَحْمَةٍ مّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الذين كَذَّبُواْ بئاياتنا } الدابر الأصل أو الكائن خلف الشيء ، وقطع دابرهم استئصالهم وتدميرهم عن آخرهم { وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ } فائدة نفي الإيمان عنهم مع إثبات التكذيب بآيات الله الإشعار بأن الهلاك خص المكذبين . وقصتهم أن عاداً قد تبسطوا في البلاد ما بين عمان وحضرموت ، وكانت لهم أصنام يعبدونها صداء وصمود والهباء ، فبعث الله إليهم هوداً فكذبوه فأمسك القطر عنهم ثلاث سنين . وكانوا إذا نزل بهم بلاء طلبوا إلى الله الفرج منه عند بيته الحرام فأوفدوا إليه قيل ابن عنز ونعيم بن هزال ومرثد بن سعد وكان يكتم إيمانه بهود عليه السلام وأهل مكة إذ ذاك العماليق أولاد عمليق بن لاوز بن سام بن نوح وسيدهم معاوية بن بكر ، فنزلوا عليه بظاهر مكة فقال لهم مرثد : لن تسقوا حتى تؤمنوا بهود فخلفوا مرثداً وخرجوا فقال قيل : اللهم اسق عاداً ما كنت تسقيهم فأنشأ الله سحابات ثلاثاً بيضاء وحمراء وسوداء ، ثم ناداه منادٍ من السماء : يا قيل اختر لنفسك ولقومك ، فاختار السوداء على ظن أنها أكثر ماء فخرجت على عاد من وادٍ لهم فاستبشروا وقالوا هذا عارض ممطرنا ، فجاءتهم منها ريح عقيم فأهلكتهم ونجا هود والمؤمنون معه فأتوا مكة فعبدوا الله فيها حتى ماتوا .