غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{فَأَنجَيۡنَٰهُ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥ بِرَحۡمَةٖ مِّنَّا وَقَطَعۡنَا دَابِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَاۖ وَمَا كَانُواْ مُؤۡمِنِينَ} (72)

59

{ فأنجيناه والذين معه برحمة } بسبب رحمة كانوا يستحقونها { منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا } أي استأصلناهم ودمرناهم عن آخرهم وقد مر مثله في الأنعام . وفائدة نفي الإيمان عنهم في قوله { وما كانوا مؤمنين } مع إثبات التكذيب بآيات ربهم أن يكون تعريضاً بمن آمن منهم ، كمرثد بن سعد وغيره كأنه قيل : ولقد قطعنا دابر الذين كذبوا ولم يكونوا مثل من آمن منهم ، أو معنى { وما كانوا مؤمنين } في علم الله تعالى أي لم يكونوا من المكذبين الذي لو بقوا لآمنوا . قال في الكشاف : وإن عاداً قد تبسطوا في البلاد ما بين عمان وحضرموت وكانت لهم أصنام يعبدونها . صداء وصمود والهباء فبعث الله هوداً نبياً وكان من أوسطهم وأشرفهم وأفضلهم حسباً فكذبوه وازدادوا عتواً وتجبراً ، فأمسك الله عنهم القطر ثلاث سنين حتى جهدوا . وإن الناس كانوا إذا نزل بهم بلاء طلبوا إلى الله الفرج من ذلك عند بيته الحرام مسلمهم ومشركهم وأهل مكة إذ ذاك العماليق أولاد عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح وسيدهم معاوية بن بكر ، فجهزت عاد إلى مكة من أماثلهم سبعين رجلاً منهم قيل بن عنز ومرثد بن سعد الذي كان يكتم إسلامه فلما نزلوا على معاوية بن بكر وهو بظاهر مكة خارجاً من الحرم أنزلهم وأكرمهم وكانوا أخواله وأصهاره فأقاموا عنده شهراً يشربون الخمر وتغنيهم الجرادتان قينتان كانتا لمعاوية إحداهما وردة والأخرى جرادة ولما رأى طول مقامهم وذهولهم باللهو عما قدموا لأجله أهمه ذلك وقال : قد هلك أخوالي وأصهاري وهؤلاء على ما هم عليه وما يستحي أن يكلمهم خيفة أن يظنوا أنه ثقل مقامهم عليه فذكر ذلك للقينتين فقالتا : قل قولاً نغنيهم به لا يدرون من قاله فقال معاوية :

ألا ياقيل ويحك قم فهينم *** لعل الله يسقينا غماماً

ويسقي أوض عاد إن عاداً *** قد آمسوا ما يبينون الكلاما

الهينمة إخفاء الكلام في الدعاء وغيره ، ومعنى يسقينا يجعله ساقياً لنا . وقوله ما يبينون الكلام أي لا يكادون يفقهون قولاً من ضعفهم وسوء حالهم . فلما غنتا به قالوا : إن قومكم يتغوّثون من البلاء الذي نزل بهم وقد أبطأتم عليهم فادخلوا الحرم واستسقوا لقومكم . فقال لهم مرثد بن سعد : والله لا يسقون بدعائكم ولكم إن أطعتم نبيكم وتبتم إلى ربكم سقيتم وأظهر إسلامه . فقالوا لمعاوية : أحبس عنا مرثداً لا يقدمن معنا مكة فإنه قد اتبع دين هود وترك ديننا ، ثم دخلوا مكة فقال قيل : اللهم اسق عاداً ما كنت تسقيهم فأنشأ الله سحابات ثلاثاً بيضاء وحمراء وسوداء ثم ناداه مناد من السماء ياقيل اختر لنفسك ولقومك . فقال : اخترت السوداء فإنها أكثرهن ماء فخرجت على عاد من واد لهم يقال له المغيث فاستبشروا بها وقالوا : هذا عارض ممطرنا . فجاءتهم منها ريح عقيم فأهلكتهم ونجا هود والمؤمنون معه فأتوا مكة فتعبدوا الله فيها حتى ماتوا .

/خ72