محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَٱلَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحۡيِينِ} (81)

{ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ } فإنه هو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده لا يقدر على ذلك أحد سواه . فإن قيل إن الموت قد يكون بتفريط الإنسان ، وقد أضافه تعالى إلى نفسه ، فما الفرق بين نسبة الموت ونسبة المرض في مقتضى الأدب ؟ أجيب كما في ( الانتصاف ) : بأن الموت قد علم بأنه قضاء محتوم من الله تعالى على سائر البشر ، وحكم عام لا يخص ، ولا كذلك المرض فكم من معافى منه قد بغته الموت ؛ فالتأسي بعموم الموت لعله يسقط أثر كونه بلاء ، فيسوغ في الأدب مع الله تعالى ، أنه ينسبه الإنسان إلى نفسه ، باعتبار ذلك السبب الذي لا يخلوا منه . ويؤيد ذلك أن كل ما ذكره مع المرض ، أخبر عن وقوعه بتا وجزما ، لأنه أمر لا بد منه . وأما المرض ، فلما كان قد يتفق وقد لا ، أورده مقرونا بشرط إذا فقال { وإذا مرضت } وكان ممكنا أن يقول والذي يمرضني فيشفيني ، كما في غيره . فما عدل عن المطابقة المجانسة المأثورة ، إلا لذلك . انتهى .

قال أبو السعود : وأما الإماتة ، فحيث كانت من معظم خصائصه تعالى كالإحياء ، بدءا وإعادة ، وقد نيطت أمور الآخرة جميعها بها وبما بعدها من البعث نظمها في سمط واحد في قوله تعالى : { وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ } على أن الموت ، لكونه ذريعة إلى نيله عليه الصلاة والسلام للحياة الأبدية ، بمعزل من أن يكون غير مطموع عنده عليه الصلاة والسلام .