تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَيُطۡعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ مِسۡكِينٗا وَيَتِيمٗا وَأَسِيرًا} (8)

وهم يُطعِمون الطعام رغم حاجتهم إليه ، إلى المسكين واليتيم والفقير . . والمرادُ من إطعام الطعام الإحسانُ الى المحتاجين ومواساتهم بأي وجه .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{وَيُطۡعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ مِسۡكِينٗا وَيَتِيمٗا وَأَسِيرًا} (8)

{ وَيُطْعِمُونَ الطعام على حُبّهِ } أي كائنين على حب الطعام أي مع اشتهائه والحاجة إليه فهو من باب التتميم ويجاوبه من القرآن قوله تعالى : { لَن تَنَالُواْ البر حتى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } [ آل عمران : 92 ] وروى عن ابن عباس ومجاهد أو على حب الإطعام بأن يكون ذلك بطيب نفس وعدم تكلف وإليه ذهب الحسن بن الفضل وهو حسن أو كائنين على حب الله تعالى أو إطعاماً كائناً على حبه تعالى ولوجهه سبحانه وابتغاء مرضاته عز وجل وإليه ذهب الفضيل بن عياض وأبو سليمان الداراني فعلى حبه من باب التكميل وزيفه بعضهم وقال الأول هو الوجه ويجاوبه القرآن على أن في قوله تعالى : { لِوَجْهِ الله } [ الإنسان : 9 ] بَعْدَ غنية عن قوله سبحانه : { نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله } وفيه نظر بل لعله الأنسب لذاك وذكر الطعام مع أن الإطعام يغني عنه لتعيين مرجع الضمير على الأول ولأن الطعام كالعلم فيما فيه قوام البدن واستقامة البنية وبقاء النفس ففي التصريح به تأكيد لفخامة فعلهم على الأخيرين ويجوز أن يعتبر على الأول أيضاً ثم الظاهر أن المراد بإطعام الطعام حقيقته وقيل هو كناية عن الإحسان إلى المحتاجين والمواساة معهم بأي وجه كان وإن لم يك ذلك بالطعام بعينه فكأنه ينفعون بوجوه المنافع { مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً } قيل أي أسير كان فعن الحسن أنه صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالأسير فيدفعه إلى بعض المسلمين فيقول أحسن إليه فيكون عنده اليومين والثلاثة فيؤثره على نفسه وقال قتادة كان أسيرهم يومئذ المشرك وأخوك المسلم أحق أن تطعمه وأخرج ابن عساكر عن مجاهد أنه قال لما صدر النبي صلى الله عليه وسلم بالأسارى من بدر انفق سبعة من المهاجرين أبو بكر وعمر وعلي والزبير وعبد الرحمن وسعد وأبو عبيدة بن الجراح على أسارى مشركي بدر فقالت الأنصار قتلناهم في الله وفي رسوله صلى الله عليه وسلم وتعينونهم بالنفقة فأنزل الله تعالى فيهم عشرة آية أن الأبرار يشربون إلى قوله تعالى { عيناً فيها تسمى سلسبيلاً } [ الإنسان : 5-18 ] ففيه دليل على أن إطعام الأسارى وإن كانوا من أهل الشرك حسن ويرجى ثوابه والخبر الأول قال ابن حجر لم يذكره من يعتمد عليه من أهل الحديث وقال ابن العراقي لم أقف عليه والخبر الثاني لم أره لفرد غير ابن عساكر ولا وثوق لي بصحته وهو يقتضي مدنية هذه الآيات وقد علمت الخلاف في ذلك نعم عند عامة العلماء يجوز الإحسان إلى الكفار في دار الإسلام ولا تصرف إليهم الواجبات وقال ابن جبير وعطاء هو الأسير من أهل القبلة قال الطيبي هذا إنما يستقيم إذا اتفق الإطعام في دار الحرب من المسلم لأسير في أيديهم وقيل هو الأسير المسلم ترك في بلاد الكفار رهينة وخرج لطلب الفداء وروى محيي السنة عن مجاهد وابن جبير وعطاء أنهم قالوا هو المسجون من أهل القبلة وفيه دليل على أن إطعام أهل الحبوس المسلمين حسن وقد يقال لا يحسن إطعام المحبوس لوفاء دين يقدر على وفائه إنما امتنع عنه تعنتاً ولغرض من الأغراض النفسانية وعن أبي سعيد الخدري هو المملوك والمسجون وتسمية المسجون أسيراً مجاز لمنعه عن الخروج وأما تسمية المملوك فمجاز أيضاً لكن قيل باعتبار ما كان وقيل باعتبار شبهه به في تقييده بأسار الأمر وعدم تمكنه من فعل ما يهوى وعد الغريم أسيراً لقوله صلى الله عليه وسلم «غريمك أسيرك فأحسن إلى أسيرك » وهو على التشبيه البليغ إلا أنه قيل في هذا الخبر ما قيل في الخبر الأول وقال أبو حمزة اليماني هي الزوجة وضعفه ههنا ظاهر .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَيُطۡعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ مِسۡكِينٗا وَيَتِيمٗا وَأَسِيرًا} (8)

قوله : { ويطعمون الطعام على حبّه } يعني يطعمون المحاويج والعالة { على حبه } أي على قلته وحبهم إياه وحاجتهم له .

قوله : { مسكينا ويتيما وأسيرا } أما المسكين فقد ذكر في حقيقته جملة أقوال ، منها : أنه الذي لا شيء له فهو بذلك أسوأ حالا من الفقير . وقيل : المسكين والفقير بمعنى . فهما في القلة وسوء الحال سواء . وقيل غير ذلك .

وأما اليتيم ، فهو الطفل الذي مات أبوه ولا شيء له .

وأما الأسير ، فهو المأسور من أهل الشرك لدى المسلمين ، فإنه يجب الإحسان إليه . ويشهد لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه يوم بدر بتكريم الأسارى فكانوا يقدمونهم على أنفسهم عند الغداء . وقيل : المراد بهم العبيد أو الأرقاء فقد وصّى النبي صلى الله عليه وسلم بالإحسان إليهم . فقد روي أن آخر ما وصّى به النبي صلى الله عليه وسلم كان قوله : " الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم " . والأخبار في وجوب الإحسان إلى الأرقاء كثيرة .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَيُطۡعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ مِسۡكِينٗا وَيَتِيمٗا وَأَسِيرًا} (8)

تفسير الإمام مالك 179 هـ :

مكي: قال مالك: يعني أسرى المشركين.

- ابن رشد: سئل مالك عن الأسير في هذه الآية أمسلم هو أم مشرك؟ فقال: بل مشرك، كان ببدر أسارى فأنزلت فيهم هذه الآية.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

"وَيُطْعمُونَ الطّعامَ على حُبّهِ مِسْكينا" يقول تعالى ذكره: كان هؤلاء الأبرار يطعمون الطعام على حبهم إياه، وشهوتهم له..

وقوله: "مِسْكِينا" يعني جلّ ثناؤه بقوله مسكينا: ذوي الحاجة الذين قد أذلتهم الحاجة، "وَيَتِيما": وهو الطفل الذي قد مات أبوه ولا شيء له. "وأسِيرا": وهو الحربيّ من أهل دار الحرب يُؤخذ قهرا بالغلبة، أو من أهل القبلة يُؤخذ فيُحبس بحقّ.

فأثنى الله على هؤلاء الأبرار بإطعامهم هؤلاء تقرّبا بذلك إلى الله وطلب رضاه، ورحمة منهم لهم.

واختلف أهل العلم في الأسير الذي ذكره الله في هذا الموضع، فقال بعضهم..لقد أمر الله بالأُسراء أن يحسن إليهم، وإن أسراهم يومئذٍ لأهل الشرك.

وقال آخرون: عُني بذلك: المسجون من أهل القبلة.

والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله وصف هؤلاء الأبرار بأنهم كانوا في الدنيا يطعمون الأسير، والأسير الذي قد وصفت صفته واسم الأسير قد يشتمل على الفريقين، وقد عمّ الخبر عنهم أنهم يطعمونهم، فالخبر على عمومه حتى يخصه ما يجب التسليم له. وأما قول من قال: لم يكن لهم أسير يومئذٍ إلا أهل الشرك، فإن ذلك وإن كان كذلك، فلم يخصص بالخبر الموفون بالنذر يومئذٍ، وإنما هو خبر من الله عن كلّ من كانت هذه صفته يومئذٍ وبعده إلى يوم القيامة، وكذلك الأسير معنيّ به أسير المشركين والمسلمين يومئذٍ، وبعد ذلك إلى قيام الساعة.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا} فالحب يتوجه إلى معان: يتوجه إلى الإيثار مرة، وإلى ميل النفس وركون القلب أخرى، ومرة يعبر عن الشهوة. فالمراد من الحب ههنا الشهوة، فيكون قوله عز وجل: {على حبه} على شهوتهم وحاجتهم إليه.

وقيل: {ويطعمون الطعام} في حال عزة الطعام،

وقيل: {ويطعمون الطعام على} حبهم للحياة وحرصهم عليها، ليس أن يطعموا عند الإياس من الحياة على ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أفضل الصدقة أن تتصدق وأنت صحيح شحيح تأمل العيش وتخشى الفقر) [مسلم: 1032].

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

(ويطعمون الطعام على حبه): ويحتمل أن يكون المراد على محبتهم لله.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

وقوله تعالى: {على حبه} يحتمل أن يعود الضمير على الطعام، أي وهو محبوب للفاقة والحاجة، وهذا قول ابن عباس ومجاهد، ويحتمل أن يعود على الله تعالى أي لوجهه وابتغاء مرضاته، قاله أبو سليمان الدراني. والأول أمدح لهم لأن فيه الإيثار على النفس. وعلى الاحتمال الثاني فقد يفعله الأغنياء أكثر، وقال الحسين بن الفضل: الضمير عائد على الإطعام، أي محبين في فعلهم ذلك لا رياء فيه ولا تكلف، و «المسكين» الطواف المتكشف في السؤال، و «اليتيم» الصبي الذي لا أب له من الناس. والذي لا أم له من البهائم، وهي صفة قبل البلوغ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يُتم بعد حلم» و «الأسير» معروف...

لأن كل كبد رطبة ففيها أجر.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان من خاف شيئاً سعى في الأمن منه بكل ما عساه ينفع فيه، وكان قد ذكر تذرعهم بالواجب، أتبعه المندوب دلالة على أنهم لا ركون لهم إلى الدنيا ولا وثوق بها، فقد جمعوا إلى كرم الطبع بالوفاء ورقة القلب شرف النفس بالانسلاخ من الفاني فقال: {ويطعمون الطعام} أي على حسب ما يتيسر لهم من عال ودون على الدوام. ولما كان الإنسان قد يسمح بما لا يلذ له قال: {على حبه} أي حبه إياه حباً هو في غاية المكنة منهم والاستعلاء على قلوبهم لقلته وشهوتهم له وحاجتهم إليه كما قال تعالى:

{لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} [آل عمران: 92] ليفهم أنهم للفضل أشد بذلاً، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم -أي الصحابة رضي الله عنهم- ولا نصيفه " لقلة الموجود إذ ذاك وكثرته بعد. {مسكيناً} أي محتاجاً احتياجاً يسيراً، فصاحب الاحتياج الكثير أولى {ويتيماً} أي صغيراً لا أب له ذكراً كان أو أنثى. {وأسيراً} أي في أيدي الكفار أي أعم من ذلك، فيدخل فيه المملوك والمسجون والكافر الذي في أيدي المسلمين، وقد نقل في غزوة بدر أن بعض الصحابة رضي الله عنهم كان يؤثر أسيره على نفسه بالخبز، وكان الخبز إذ ذاك عزيزاً حتى كان ذلك الأسير يعجب من مكارمهم حتى كان ذلك مما دعاه إلى الإسلام، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما دفعهم إليهم قال: " استوصوا بهم خيراً " ومن حكم الأسير الحقيقي كل مضرور يفعلون ذلك والحال أنهم يقولون بلسان الحال أو القال إن احتيج إليه إزاحة لتوهم المن أو توقع المكافأة مؤكدين إشارة إلى أن الإخلاص أمر عزيز لا يكاد أحد يصدق أنه يتأتى لأحد.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

(ويطعمون الطعام -على حبه- مسكينا ويتيما وأسيرا)..

وهي تصور شعور البر والعطف والخير ممثلا في إطعام الطعام، مع حبه بسبب الحاجة إليه. فمثل هذه القلوب لا يقال عنها: إنها تحب الطعام الذي تطعمه للضعاف المحاويج على اختلاف أنواعهم. إلا أن تكون في حاجة هي إلى هذا الطعام، ولكنها تؤثر به المحاويج.

وهذه اللفتة تشي بقسوة البيئة في مكة بين المشركين؛ وأنها كانت لا تفضي بشيء للمحاويج الضعاف؛ وإن كانت تبذل في مجالات المفاخرة الشيء الكثير. فأما الأبرار عباد الله فكانوا واحة ظليلة في هذه الهاجرة الشحيحة. وكانوا يطعمون الطعام بأريحية نفس، ورحمة قلب، وخلوص نية. واتجاه إلى الله بالعمل، يحكيه السياق من حالهم، ومن منطوق قلوبهم.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

خصص الإِطَعام بالذكر لما في إطعام المحتاج من إيثاره على النفس كما أفاد قوله {على حبه}.

والتصريح بلفظ الطعام مع أنه معلوم من فعل {يطعمون} توطئةٌ ليبنى عليه الحال وهو {على حبه} فإنه لو قيل: ويطعمون مسكيناً ويتيماً وأسيراً لفات ما في قوله {على حبه} من معنى إيثار المحاويج على النفس، على أن ذكر الطعام بعد {يطعمون} يفيد تأكيداً مع استحضار هيئة الإِطعام حتى كأنَّ السامع يشاهد الهيئة.

و {على} بمعنى (مع)، وضمير {حبه} راجع للطعام، أي يطعمون الطعام مصحوباً بحبه، أي مصاحباً لحبهم إياه وحب الطعام هو اشتهاؤه.

فالمعنى: أنهم يطعمون طعاماً هم محتاجون إليه.

والمسكين: المحتاج. واليتيم: فاقد الأب وهو مظنة الحاجة لأن أحوال العرب كانت قائمة على اكتساب الأب للعائلة بكدحه، فإذا فُقد الأب تعرضت العائلة للخصاصة.

وأما الأسير فإذ قد كانت السورة كلها مكية قبل عِزّة المسلمين، فالمراد بالأسير العبد من المسلمين، إذ كان المشركون قد أجاعوا عبيدهم الذين أسلموا مثل بلال وعمار وأمه وربما سيَّبوا بعضهم إذا أضجرهُم تعذيبهم وتركوهم بلا نفقة.

والعبودية تنشأ من الأسر، فالعبد أسير، ولذلك يقال له العاني أيضاً...

وبهذا تعلم أن لا شاهد في هذه الآية لجعل السورة نزلت بالمدينة وفي الأسارى الذين كانوا في أسر المسلمين في غزوة بدر.