{ نحن خلقناهم وشددنا } قوينا وأحكمنا { أسرهم } قال مجاهد وقتادة ومقاتل : { أسرهم } أي : خلقهم ، يقال : رجل حسن الأسر ، أي : الخلق . وقال الحسن : يعني أوصالهم شددنا بعضها إلى بعض بالعروق والعصب . وروي عن مجاهد في تفسير الأسر قال : الفرج ، يعني : موضع في البول والغائط ، إذا خرج الأذى تقبضا . { وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلاً } أي : إذا شئنا أهلكناهم وأتينا بأشباههم فجعلناهم بدلاً منهم .
قوله تعالى : " نحن خلقناهم " أي من طين . " وشددنا أسرهم " أي خلقهم ، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة ومقاتل وغيرهم . والأسر الخلق . قال أبو عبيد : يقال فرس شديد الأسر أي الخلق . ويقال أسره الله جل ثناؤه إذا شدد خلقه . قال لبيد :
سَاهِمُ الوَجْهِ شديدٌ أَسْرُهُ *** مُشْرِفُ الحَارِكِ مُحْبُوكُ الكَتِدَ{[15709]}
من كل مُجْتَنِبٍ شديدٍ أسْرُهُ *** سَلِسِ القِيَادِ تَخَالُهُ مُخْتَالاَ{[15710]}
وقال أبو هريرة والحسن والربيع : شددنا مفاصلهم وأوصالهم بعضها إلى بعض بالعروق والعصب . وقال مجاهد في تفسير الأسر : هو الشرج ، أي إذا خرج الغائط والبول تقبض الموضع . وقال ابن زيد القوة . وقال ابن أحمر يصف فرسا :
يمشِي بأَوْظِفَةٍ شِدَادٍ أَسْرُهَا *** صُمِّ السَّنَابِكِ لا تَقِي بالجَدْجَدِ{[15711]}
واشتقاقه من الأسار وهو القد الذي يشد به الأقتاب . يقال : أسرت القتب أسرا أي شددته وربطه . ويقال : ما أحسن أسر قتبه أي شده وربطه . ومنه قولهم : خذه بأسره إذا أرادوا أن يقولوا هو لك كله . كأنهم أرادوا تعكيمه{[15712]} وشده لم يُفْتَح ولم يُنْقَص منه شيء . ومنه الأسير ، لأنه كان يكتف بالإسار . والكلام خرج مخرج الامتنان عليهم بالنعم حين قابلوها بالمعصية . أي سويت خلقك وأحكمته بالقوي ثم أنت تكفر بي . " وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا " قال ابن عباس : يقول لو نشاء لأهلكناهم وجئنا بأطوع لله منهم . وعنه أيضا : لغيرنا محاسنهم إلى أسمج الصور وأقبحها . كذلك روى الضحاك عنه . والأول رواه عنه أبو صالح .
ولما كان تركهم لليوم{[70779]} الثقيل على وجه التكذيب الذي هو أقبح الترك ، وكان تكذيبهم لاعتقادهم عدم القدرة عليه{[70780]} قال دالاً على الإعادة بالابتداء من باب الأولى : { نحن خلقناهم } ، بما لنا من العظمة لا غيرنا { وشددنا أسرهم } أي قوينا وأتقنا{[70781]} ربط مفاصلهم الظاهرة والباطنة بالأعصاب على وجه الإحكام بعد كونهم نطفة أمشاجاً{[70782]} في غاية الضعف ، وأصل الأسر ، القد يشد به الأقتاب أو الربط والتوثيق ، ولا شك أن من قدر على إنشاء شخص من نطفة قادر على أن يعيده كما كان لأن-{[70783]} جسده الذي أنشأه إن كان محفوظاً فالأمر فيه واضح ، وإن كان قد صار تراباً فإبداعه منه مثل إبداعه من النطفة ، وأكثر ما فيه أن يكون كأبيه{[70784]} آدم عليه السلام بل هو أولى فإنه ترابه له أصل في الحياة بما كان حياً ، وتراب آدم عليه السلام لم يكن له أصل قط في الحياة-{[70785]} والإعادة أهون في مجاري عادات{[70786]} الخلق من الابتداء ، و-{[70787]} لذلك قال معبراً بأداة التحقق : { وإذا شئنا } أي بما لنا من العظمة أن نبدل ما نشاء من صفاتهم أو ذواتهم { بدلنا أمثالهم } أي بعد الموت في الخلقة وشدة الأسر { تبديلاً * } أو{[70788]} المعنى : جئنا بأمثالهم بدلاً منهم وخلائف لهم ، أو يكون المراد - وهو أقعد - بالمثل الشخص أي بدلنا أشخاصهم لتصير بعد القوة إلى ضعف وبعد الطول إلى قصر وبعد البياض إلى سواد وغير ذلك من الصفات كما شوهد في بعض الأوقات في المسخ وغيره ، وكل ذلك دال على تمام قدرتنا وشمول علمنا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.