تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{الٓمٓ} (1)

كانت الدولة الرومانية والدولة الفارسية أعظمَ دولِ العالم في عصر النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وكانت الحروبُ بينهما دائمة . وفي عصر كسرى أبرويز نَشِطت الدولةُ الفارسية وانتصرت على الروم واستولت على جميع ممتلكاتهم في العراق وبلاد الشام ومصر وآسيا الصغرى . يومذاك تقلصت الإمبراطورية الرومانية في عاصمتها ، وسُدّت عليها جميع الطرق في حصار اقتصادي قاس ، وعم القحط ، وفشت الأمراض الوبائية . وأخذ الفرس يستعبدون الرعايا الروم ويستبدّون بهم للقضاء على المسيحية ، فدمروا الكنائس وأخذوا خشبة الصليب المقدس وأرسلوها الى المدائن . وأراقوا دماء ما يقرب من مائة ألف من السكان المسيحيين . وأوشكت الامبراطورية الرومانية على الانهيار .

في هذه الفترة كان المسلمون في مكّةَ في أصعب أيامهم وأشدّ مِحنتهم ، وفي حالةٍ من الضعف والضَنْك لا يمكن تصوُّرها . وقد فرح المشركون بنصر الفُرس لأنهم وثنيون مثلهم ، وحزِن المسلمون باندحار الروم لأنهم أهلُ كتاب . وقال المشركون شامتين : لقد غلب إخوانُنا إخوانكم ، وكذلك سوف نقضي عليكم إذا لم تتركوا دينكم الجديد هذا .

{ ألم غُلِبَتِ الروم في أَدْنَى الأرض وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ } :

يقول المؤرخ البريطاني « جيبون » في كتابه « تدهور الإمبراطورية الرومانية وسقوطها » تعليقا على نبوءة القرآن هذه : « في ذلك الوقت حين تنبأ القرآن بهذا لم تكن آية نبوءة أبعدَ منها وقوعا ، لأن السنين الاثنتي عشرة الأولى من حكومة هِرَقل كانت تؤذِن بانتهاء الإمبراطورية الرومانية » ، المجلد الخامس صفحة 74 .

« فلما سمع أبو بكر رضي الله عنه هذه الآيات خرج إلى المشركين فقال لهم : أفرِحتم بظهور إخوانكم الفرس ، فواللهِ لتظهرنَّ الرومُ على فارس كما أخبرنا بذلك نبيُّنا صلى الله عليه وسلم . فقام إليه أُبيّ بن خلف فقال له : كذبتَ . فقال أبو بكر : أنت كذبتَ يا عدو الله . اجعل بيننا أجَلاً أراهنك على عشر قلائص منّي وعشرٍ منك ، فإن ظهرت الرومُ على فارس ربحتُ أنا الرهان ، وإن ظهرت فارس ربحتَ أنت الرهان . ثم جاء إلى النبيّ عليه الصلاة والسلام فأخبره ، فقال الرسول الكريم : زايدْه في الرِهان ومادَّه في الأجلِ .

فخرج أبو بكر ، فلقي أُبي بن خلف فقال له : لعلّك ندمتَ ؟ فقال : لا . فقال أبو بكر : تعالى أزايدْك في الرهان ، وأمادّك في الأجل ، فاجعلها مائة قلوص إلى تسع سنين ، قال : قد فعلت . وقد قتل أُبي في معركة أُحُد . ولما ظهرت الرومُ على الفرس واستعادوا بلادهم وصدقت نبوءة القرآن ، أخذ أبو بكر مائةَ ناقة من ورثةِ أُبيّ وتصدّق بها ، وهذا كان قبل تحريم الميسر »

وهكذا صدقت نبوءةُ القرآن الكريم عن غلبة الروم في أقلَّ من عشر سنين ، وفي هذا أكبرُ دليل على أن القرآن كتابُ الله ، وأن هذه النبوءة جاءت من لدن مهيمنٍ على كل الوسائل والأحوال ، ومَن بيده قلوبُ الناس وأقدارُهم .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{الٓمٓ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الروم{[1]}

مقصودها إثبات الأمر كله لله ، فتأتي الوحدانية والقدرة على كل شيء ، فيأتي البعث ونصر أوليائه ، وخذلان أعدائه ، وهذا هو المقصود بالذات ، واسم السورة واضح الدلالة عليه بما كان من السبب في نصر الروم من الوعد الصادق والسر المكتوم { بسم الله } الذي يملك الأمر كله { الرحمن } الذي رحم الخلق كلهم بنصب الأدلة { الرحيم } الذي لطف بأوليائه فأنجاهم من كل ضار ، وحباهم كل نافع سار .

لما{[52138]} ختم سبحانه التي قبلها بأنه مع المحسنين قال : { الم* } مشيراً بألف القيام والعلو ولام{[52139]} الوصلة وميم التمام إلى أن الملك الأعلى القيوم أرسل جبرئيل عليه الصلاة والسلام - الذي هو وصلة بينه وبين أنبيائه عليهم الصلاة والسلام - إلى أشرف خلقه محمد صلى الله عليه وسلم المبعوث لإتمام مكارم الأخلاق ، يوحي إليه وحياً معلماً بالشاهد والغائب ، فيأتي الأمر على ما أخبر به دليلاً على صحة رسالته ، وكمال علم مرسله ، وشمول قدرته ، ووجوب{[52140]} وحدانيته .


[1]:- هكذا ثبتت العبارة في النسخة المخزونة بالرباط – المراقش التي جعلناها أصلا وأساسا للمتن، وكذا في نسخة مكتبة المدينة ورمزها "مد" وموضعها في نسخة دار الكتب المصرية ورمزها "م": رب زدني علما يا فتاح.
[52138]:من ظ ومد، وفي الأصل: ولما.
[52139]:في ظ" بلام.
[52140]:من ظ ومد، وفي الأصل: علم.