تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ وَٱسۡمَعُواْ وَأَطِيعُواْ وَأَنفِقُواْ خَيۡرٗا لِّأَنفُسِكُمۡۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (16)

ومن يوقَ شحّ نفسه : ومن يحفظ نفسه من البخل . الشح : البخل مع الحرص .

ثم يعلّمنا وينبّهنا إلى أن نستيقظ ونعمل بقدر ما نستطيع فيقول :

{ فاتقوا الله مَا استطعتم واسمعوا وَأَطِيعُواْ }

فالتقوى تكون بالعمل الصالح المفيد ، والانقياد لأمر الله والرسول . اهتدوا بهدي الإسلام أيها المؤمنون ، وجُودوا بالمال قبل أن تذهبوا ولا تأخذوا منه شيئا ، ويبقى للورثة يختصمون فيه .

{ وَأَنْفِقُواْ خَيْراً لأَنفُسِكُمْ }

هنا يكرر الأمر بالإنفاق من الأموال ، لأنكم أيها المؤمنون ستندمون إذا ذهبتُم وتركتم وراءكم الأموال مكدَّسة ، لم تنفعوا بها الفقراء والمحتاجين ، ولم تبذلوا منها للمصلحة العامة والجهاد في سبيل الله .

ثم زاد الحثّ على الإنفاق بأسلوب لطيف فقال :

{ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فأولئك هُمُ المفلحون } .

والسعيدُ منكم أيها الناس هو الذي يتغلب على نفسه ويتقي بُخْلَها الشديد ، فينفق في سبيل الله ، وفي سبيل وطنه وأمته ، فيكون من المفلحين في الدنيا والآخرة .

أيها الناس ، إن الأغنياء في الغرب يُنفقون معظم ثرواتهم على عمل الخير ، على البحث العلمي الذي هو مفقود عندنا ، وعلى المستشفيات والجامعات والمصالح الخيرية . والأغنياء عندنا ينفقون على أنفسِهم ويبذّرون أموالهم في الأعراس والحفلات التي تُغضب الله ، وعلى ملذاتهم وشهواتهم ومقامراتهم ومغامراتهم مما لا يجدي نفعا . { إِنَّ المبذرين كانوا إِخْوَانَ الشياطين } [ الإسراء : 27 ] .

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ وَٱسۡمَعُواْ وَأَطِيعُواْ وَأَنفِقُواْ خَيۡرٗا لِّأَنفُسِكُمۡۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (16)

{ فاتقوا الله ما استطعتم } قيل : إن هذا ناسخ لقوله : { اتقوا الله حق تقاته } [ آل عمران : 102 ] وروي : أنه لما نزل { حق تقاته } شق ذلك على الناس حتى نزل ما استعظم وقيل : لا نسخ بينهما لأن { حق تقاته } معناه : فيما استطعتم إذ لا يمكن أن يفعل أحد إلا ما يستطيع وهذه الآية على هذا مبينة لتلك وتحرز بالاستطاعة من الإكراه والنسيان وما لا يؤاخذ به العبد وإعراب { ما } في قوله { ما استطعتم } ظرفية .

{ خيرا لأنفسكم } منصوب بإضمار فعل لا يظهر عند سيبويه ، وقيل : هو مفعول بأنفقوا لأن الخير بمعنى المال ، وقيل : هو نعت لمصدر محذوف تقديره أنفقوا إنفاقا خيرا لأنفسكم .

{ ومن يوق شح نفسه } ذكر في الحشر .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ وَٱسۡمَعُواْ وَأَطِيعُواْ وَأَنفِقُواْ خَيۡرٗا لِّأَنفُسِكُمۡۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (16)

قوله : { فاتقوا الله ما استطعتم } أي اخشوا ربكم باتباع أوامره واجتناب نواهيه قدر طاقتكم وجهدكم . وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عنه فاجتنبوه " وقيل : هذه الآية ناسخة لقوله تعالى : { ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته } .

قوله : { واسمعوا وأطيعوا } أي اسمعوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعظكم به ، وأطيعوه فيما أمركم به ونهاكم عنه { وأنفقوا خيرا لأنفسكم } خيرا ، منصوب من أربعة وجوه :

الوجه الأول : أن يكون منصوبا بالفعل { أنفقوا } . والوجه الثاني : أن يكون منصوبا بفعل مقدر دل عليه قوله : { أنفقوا } وتقديره : وآتوا خيرا .

والوجه الثالث : أن يكون وصفا لمصدر محذوف وتقديره : وأنفقوا إنفاقا خيرا . والوجه الرابع : أن يكون خبر كان{[4557]} والمراد بالخير ، المال . والمعنى : أنفقوا من أموالكم على الفقراء والمساكين والمحاويج فإن ذلك خير لكم ، إذ تستنقذون أنفسكم من النار .

قوله : { ومن يوق شحّ نفسه فأولئك هم المفلحون } يعني من يقه الله شحّ نفسه وهو هواها الذي يفضي إلى المعاصي { فأولئك هم المفلحون } أي الفائزون بخير الجزاء ، الناجون من سوء العذاب .


[4557]:البيان لابن الأنباري جـ 2 ص 443.