فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ وَٱسۡمَعُواْ وَأَطِيعُواْ وَأَنفِقُواْ خَيۡرٗا لِّأَنفُسِكُمۡۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (16)

ثم أمرهم سبحانه بالتقوى والطاعة فقال :

{ فاتقوا الله ما استطعتم } أي ما أطلقتم وبلغ إليه جهدكم وقد ذهب جماعة من أهل العلم منهم قتادة والربيع بن أنس والسدي وابن زيد إلى أن هذه الآية ناسخة لقوله سبحانه : { اتقوا الله حق تقاته } ، لأن معناه أن يطاع فلا يعصى ، وأن يذكر فلا ينسى ، وأن يشكر فلا يكفر ، فخفف الله عنهم وأنزل هذه الآية ، وقال ابن عباس : هي محكمة ولا نسخ فيها ، ولكن حق تقاته أن يجاهدوا فيه حق جهاده ، ولا تأخذهم في الله لومة لائم ، ويقوموا لله بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم ، وقد أوضحنا الكلام على هذا في قوله : { فاتقوا الله حق تقاته } .

{ واسمعوا } ما تؤمرون به سماع قبول لأنه لا فائدة في مجرد السماع { وأطيعوا } الأوامر قال مقاتل : اسمعوا أي أصغوا إلى ما ينزل عليكم وأطيعوا الرسول فيما يأمركم وينهاكم { وأنفقوا } من أموالكم التي رزقكم الله إياها في وجوه الخير والطاعة ولا تبخلوا بها . وقوله : { خيرا لأنفسكم } منتصب بفعل مضمر دل عليه اتقوا ، كأنه قال : ائتوا في الإنفاق خيرا لأنفسكم ، أو قدموا خيرا لها ، كذا قال سيبويه وقال الكسائي والفراء ؛ هو نعت لمصدر محذوف ، أي إنفاقا خيرا وقال أبو عبيدة : هو خبر لكان المقدرة أي يكن الإنفاق خيرا لكم ، وقال أهل الكوفة : نصبه على الحال ، وقيل : هو مفعول به لأنفقوا أي فأنفقوا مالا خيرا ، والظاهر في الآية الإنفاق مطلقا من غير تقييد بالزكاة الواجبة ، وقيل : المراد زكاة الفريضة ، وقيل : النافلة وقيل النفقة في الجهاد .

{ ومن يوق شح نفسه } فيفعل في ماله جميع ما أمر به من الإنفاق موقنا به مطمئنا إليه ، ولم يمنعه ذلك منه { فأولئك هم المفلحون } أي الظافرون بكل خير ، الفائزون بكل مطلوب ، وقد تقدم تفسير هذه الآية مرارا .