روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ وَٱسۡمَعُواْ وَأَطِيعُواْ وَأَنفِقُواْ خَيۡرٗا لِّأَنفُسِكُمۡۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (16)

{ فاتقوا الله مَا استطعتم } أي ابذلوا في تقواه عز وجل جهدكم وطاقتكم كما أخرجه عبد بن حميد . وابن المنذر عن الربيع بن أنس ، وحكي عن أبي العالية .

وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : لما نزلت { اتقوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ } [ آل عمران : 102 ] اشتد على القوم العمل فقاموا حتى ورمت عراقيبهم وتقرحت جباههم فأنزل الله تعالى تخفيفاً على المسلمين { فاتقوا الله مَا استطعتم } فنسخت الآية الأولى ، وجاء عن قتادة نحو منه ، وعن مجاهد المراد أن يطاع سبحانه فلا يعصى ، والكثير على أن هذا هو المراد في الآية التي ذكرناها { واسمعوا } مواعظه تعالى { وَأَطِيعُواْ } أوامره عز وجل ونواهيه سبحانه { وَأَنْفِقُواْ } مما رزقكم في الوجوه التي أمركم بالإنفاق فيها خالصاً لوجهه جل شأنه كما يؤذن به قوله تعالى : { خَيْراً لأِنفُسِكُمْ } وذكر ذلك تخصيص بعد تعميم ، ونصب { خَيْرًا } عند سيبويه على أنه مفعول به لفعل محذوف أي وأتوا خيراً لأنفسكم أي افعلوا ما هو خير لها وأنفع ، وهذا تأكيد للحث على امتثال هذه الأوامر وبيان لكون الأمور خيراً لأنفسهم من الأموال والأولاد ، وفيه شمة من التجريد ، وعند أبي عبيد على أنه خبر ليكن مقدراً جواباً للأمر أي يكن خيراً ، وعند الفراء . والكسائي على أنه نعت لمصدر محذوف أي إنفاقاً خيراً ، وقيل : هو نصب بأنفقوا والخير المال ، وفيه بعد من حيث المعنى ، وقال بعض الكوفيين : هو نصب على الحال وهو بعيد في المعنى والإعراب { وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ } وهو البخل مع الحرص .

{ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المفلحون } الفائزون بكل مرام .