الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ وَٱسۡمَعُواْ وَأَطِيعُواْ وَأَنفِقُواْ خَيۡرٗا لِّأَنفُسِكُمۡۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (16)

قوله تعالى : { فاتقوا الله ما استطعتم } .

أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال : لما نزلت { اتقوا الله حق تقاته } [ آل عمران : 102 ] اشتد على القوم العمل فقاموا حتى ورمت عراقيبهم وتقرحت جباههم ، فأنزل الله تحفيفاً على المسلمين { فاتقوا الله ما استطعتم } فنسخت الآية الأولى .

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الربيع بن أنس { فاتقوا الله ما استطعتم } قال : جهدكم .

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة { فاتقوا الله ما استطعتم } قال : هي رخصة من الله ، كان الله قد أنزل في سورة آل عمران { اتقوا الله حق تقاته } [ آل عمران : 102 ] وحق تقاته أن يطاع فلا يعصى ، ثم خفف عن عباده ، فأنزل الرخصة { فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا } قال : السمع والطاعة فيما استطعت يا ابن آدم عليها ، بايع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على السمع والطاعة فيما استطاعوا .

وأخرج ابن سعد وأحمد وأبو داود عن الحكم بن حزن الكلفي قال : وفدنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلبثنا أياماً شهدنا فيها الجمعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقام متوكئاً على قوس ، فحمد الله ، وأثنى عليه كلمات طيبات خفيفات مباركات ، ثم قال : «أيها الناس إنكم لن تطيقوا كل ما أمرتم به فسددوا وابشروا » .

وأخرج عبد بن حميد عن عطاء رضي الله عنه { ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } قال : في النفقة .

وأخرج عبد بن حميد عن حبيب بن شهاب العنبري أنه سمع أخاه يقول : لقيت ابن عمر يوم عرفة ، فأردت أن أقتدي من سيرته ، وأسمع من قوله ، فسمعته أكثر ما يقول : اللهم إني أعوذ بك من الشح الفاحش ، حتى أفاض ، ثم بات بجمع ، فسمعته أيضاً يقول ذلك ، فلما أردت أن أفارقه قلت يا عبدالله : إني أردت أن أقتدي بسيرتك فسمعتك أكثر ما تقول أن تعوذ من الشح الفاحش . قال : وما أبغي أفضل من أن أكون من المفلحين ؟ قال الله : { ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } .