الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ وَٱسۡمَعُواْ وَأَطِيعُواْ وَأَنفِقُواْ خَيۡرٗا لِّأَنفُسِكُمۡۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (16)

وقوله سبحانه : { فاتقوا الله مَا استطعتم } تَقَدَّمَ الخلافُ هَلْ هذه الآيةُ نَاسِخَةٌ لقوله تعالى : { اتَّقُواْ الله حَقَّ تُقَاتِهِ } [ آل عمران : 102 ] أو لَيْسَتْ بناسخةٍ ، بل هي مُبَيِّنَةٌ لها ، وأن المَعْنَى : اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ فِيمَا اسْتَطَعْتُمْ ؛ وهذا هو الصحيح ، قال الثعلبي : قال الربيع بن أنس : { مَا استطعتم } أيْ : جَهْدَكُمْ ، وقيل : معناه : إذا أمْكَنَكُمْ الجهادُ والهجرةُ ، فَلا يُفْتِنَنَّكُمُ المَيْلُ إلى الأمْوالِ والأوْلاَدِ ، واسْمَعُوا ما تُوعظونَ به ، وأطِيعُوا فيما تؤمَرُون به ، انتهى .

وقوله سبحانه : { وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ } تَقَدَّم الكلامُ عليه ، وأسْنَد أبو بكر بن الخطيب من طريقِ أبي هريرةَ وأبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «السَّخَاءُ شَجَرَةٌ في الجَنَّةِ ، وأَغْصَانُها في الدُّنْيَا ، فَمَنْ كَانَ سَخِيًّا أَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْهَا ؛ فَلَمْ يَتْرُكْهُ الغُصْنُ حتى يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ ، والشُّحُّ شَجَرَةٌ في النَّارِ وَأَغْصَانُهَا في الأَرْضِ ، فَمَنْ كَانَ شَحِيحاً ، أَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا ، فَلَمْ يَتْرُكْهُ الغُصْنُ حتى يُدْخِلَهُ النَّارَ » انتهى . وَباقِي الآية بيِّنٌ .