فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ وَٱسۡمَعُواْ وَأَطِيعُواْ وَأَنفِقُواْ خَيۡرٗا لِّأَنفُسِكُمۡۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (16)

{ فاتقوا الله ما استطتعم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ( 16 ) } .

فاحرصوا على مرضاة ربكم قدر استطاعتكم ، أطيعوه ولا تخالفوا عن أمره ، واسمعوا ما وعظكم به ، واستجيبوا لما دعاكم إليه ، وابذلوا وتصدقوا وأنفقوا تنالوا خيرا لأنفسكم في العاجل والآجل ، ويكن خير لكم- وإنما أفرد الإنفاق مع دخوله فيما سبق الأمر به من التقوى والسمع والطاعة للتخصيص بعد التعميم ولأهمية شأنه بدليل ما جاء بعد- ومن وقاه الله الشح والبخل فهو الرابح الفائز بأعظم فوز .

أقول : اختار أبو عبد الله القرطبي في الآية رأيا خاصا في فهم أولها بينما اختار في فهم آخرها رأيا معمما ، يقول رحمه الله : فكذلك معنى قوله : { فاتقوا الله ما استطعتم } في الهجرة من دار الشرك إلى دار الإسلام أن تتركوها بفتنة أموالكم وأولادكم . اه . ثم اتجه إلى التعميم في الإنفاق حيث نقل : وقال الحسن : هو نفقة الرجل لنفسه . قال ابن العربي : وإنما أوقع قائل هذا قوله : { لأنفسكم } وخفي عليه أن نفقة النفل والفرض في الصدقة ، هي نفقة الرجل على نفسه ، قال الله تعالى : { إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها . . }{[7054]} . وكل ما يفعله الرجل من خير فإنما هو لنفسه ؛ والصحيح أنها عامة . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال له رجل : عندي دينار . قال : ( أنفقه على نفسك ) قال : عندي آخر . قال : ( أنفقه على عيالك ) قال : عندي آخر . قال : ( انفقه على ولدك ) قال : عندي آخر . قال : ( تصدق به ) فبدأ بالنفس والأهل والولد وجعل الصدقة بعد ذلك . وهو الأصل في الشرع .


[7054]:- سورة الإسراء. من الآية 7.